Site icon IMLebanon

السلك الدبلوماسي “يشحد” شهرياً… ورسومه تغطّي نصف الموازنة

 

يضرب الإهتراء كافة أعمدة هيكل الدولة اللبنانية، ليسقط الواحد تلو الآخر فيما المسؤولون يتقاذفون كرة الاتهامات ويتوالون على رمي المسؤوليات، بينما ينتظر صندوق النقد الدولي إقرار سلّة القوانين الإصلاحية الضرورية، لكي يستعيد لبنان ثقة المجتمع الدولي. وها هو السلك الدبلوماسي، الشريان الحيوي الذي يربط لبنان المقيم بلبنان المغترب الذي بات المصدر الوحيد للعملة الصعبة، يضغط في سبيل تأمين مستحقاته بعدما صار التأخير في إخراجها من صناديق مصرف لبنان، السمة الغالبة منذ وقوع الأزمة المالية.

 

في الواقع، أعلنت وزارة الخارجية في بيان لها عن عزمها على “متابعة موضوع تسديد مستحقات الدبلوماسيين والنفقات التشغيلية للبعثات في الخارج بالتعاون والتنسيق مع رئيس الحكومة ووزارة المالية ومصرف لبنان”، ذلك لأنّ هذه المستحقات تدفع بالدولارات الطازجة، ما يعني أنّ مصرف لبنان هو المعني الأساس بهذه الأزمة من باب تأمين هذه الدولارات. وهذا ما يجعل الدبلوماسيين أسرى قرار مصرف لبنان للإفراج شهرياً عن مستحقاتهم.

 

يقول أحد الدبلوماسيين العاملين في الإدارة المركزية، إنّ الدبلوماسيين يعانون شهرياً من هذه الأزمة منذ أكثر من سنة حيث تخضع رواتبهم للتأخير الدائم بحجة عدم توفر الاعتمادات بالعملة الصعبة، مشيراً إلى أنّ موازنة وزارة الخارجية السنوية تقدّر بحوالى 90 مليون دولار، بما فيها رواتب الدبلوماسيين العاملين في الإدارة المركزية وأولئك الموجودين في الخارج فضلاً عن الإيجارات والمصاريف التشغيلية التي تدفع في الخارج، لافتاً إلى أنّ مصرف لبنان يتدخّل أحياناً وبشكل يومي لبيع الدولارات عبر منصة صيرفة بحوالى 90 مليون دولار، يعني ما يوازي كلّ موازنة وزارة الخارجية السنوية، وبالتالي لا حجة لدى المصرف المركزي لعدم تسديد هذه المستحقات شهرياً وإخضاع الدبلوماسيين لهذا الضغط.

 

ويشير إلى أنّ مساهمات البعثات الدبلوماسية جرّاء الرسوم التي تؤمّنها للخزينة العامة بعد رفعها، تكفي لتغطية نحو 50% من موازنة وزارة الخارجية، وبالتالي يكون العجز في الـ50% الباقية، ولهذا لا يفترض تعريض الدبلوماسيين لحفلة “شحادة” شهرية، خصوصاً أنّ هؤلاء يشكلون الجسر الحيوي بين لبنان المقيم ولبنان المغترب الذي يؤمن اوكسيجين بقاء البلد على قيد الحياة.

 

ويلفت إلى أنّ الشلل بالأساس، يعيب حركة الدبلوماسيين مذ تعليق التشكيلات الدبلوماسية بسبب “النكد السياسي”، ذلك لأنّ العاملين في الداخل شبه غائبين عن العمل نظراً لتدني قيمة رواتبهم وينتظرون التشكيلات لكي يحسّنوا مدخولهم الشهري، فيما العاملون في الخارج لم يعودوا متحمّسين للعمل لإدراكهم أنّهم قد يعودون إلى “جهنم” حيث لا قيمة لرواتبهم. وهذا ما يساهم في تعميم حالة الإحباط لدى السلك الدبلوماسي سواء في الداخل أو في الخارج، لتكون أزمة الرواتب والمستحقات، النقطة التي قد تفيض بكوب الاعتراضات.

 

ويؤكد أنّ وزارة الخارجية عملت على تقليص موازنتها لا سيما في ما خصّ البعثات الخارجية، لناحية الرواتب والمصاريف التشغيلية، بنحو 20%، وقبل أن يصل “موس” صندوق النقد الدولي إلى جداول قصر بسترس، حيث تمّ تخفيض الرواتب بحوالى 20% وألغي الكثير من المخصصات (بدل التمثيل، بطاقات السفر…) فيما جرى استبدال الكثير من البيوت الدبلوماسية لا سيما تلك الباهظة الكلفة، وقد تقدم بعض المغتربين بمساهمات مالية لتغطية الصيانة. كل ذلك في سبيل الحفاظ على هذا “الجسر الجوي”.

 

ويرى أنّ تكرار تجربة تمويل الانتخابات النيابية من صناديق بعض البعثات الدبلوماسية، على قاعدة “الاقتراض”، لتأمين المستحقات الشهرية، صعبٌ ومعقدٌ على اعتبار أنّه ليس لكل البعثات القدرة على تمويل ذاتها وبعضها يتّكل على المستحقات التي ترد من الخزينة العامة، ولهذا فإنّ التأخير في تسديد هذه المستحقات يضرّ بكل البعثات ويزيد من حالة الشلل والإحباط الحاصلة في السلك الدبلوماسي في وقت يفترض أن يكون هذا القطاع أشبه بخلية نحل تواكب المفاوضات الحاصلة مع صندوق النقد من خلال قيادة “لوبي” ضاغط لدى الدول الممولة للصندوق للدفع باتجاه تسريع المفاوضات وشرح حيثيات الملف اللبناني أمام هذه الدول المقررة في نهاية المطاف، في سياسة الصندوق.