نصائح دبلوماسية وضغوط مالية واقتصادية حركت المياه الراكدة بشأن التأليف
رياح حكومية ناشطة في اليومين المقبلين وتكتم على صيغة الحل خوفاً من حرقها
اللقاء التشاوري لم يتبلغ بأي معطى جديد وليس في وارد التراجع عن مطلب «الممثل الحصري
على ذمة أحد الوزراء المقربين من الرئيس المكلف سعد الحريري فإن تأليف الحكومة سيحصل في غضون أسبوع أو عشرة أيام على أبعد تقدير، من دون ان يزيد على ذلك أية كلمة أو أن يفصح عن الصيغة التي يتم التداول بها والتي ستؤدي إلى انتشال عملية تشكيل الحكومة من قعر البئر الذي تستوطن فيه منذ 244 يوماً بالتمام والكمال. وقد تزامن هذا الموقف مع ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي التقى الرئيس المكلف سعد الحريري، من ان الأخير أبلغه بأن الحكومة ستولد في أقل من أسبوع.
هذه النفحة الإيجابية التي هبّت على الساحة السياسية في أعقاب انعقاد القمة الاقتصادية في بيروت يعلق عليها بالغ الأهمية كونها جاءت في وقت اعتقد فيه الكثيرون من أهل السياسة بأن الأفق السياسي الداخلي بات مقفلاً امام بلوغ هدف تشكيل الحكومة بعد ان سقطت كل الصيغ والمقترحات التي وضعت على طاولة التفاوض.
هل هذه النفحة الإيجابية جاءت في السياق الطبيعي لمسار الأمور، أم انها بفعل بلوغ الأزمة السياسية مداها الأبعد وبدء تأثيراتها السلبية على الواقع الاقتصادي والمالي، سيما وان قرار مؤسسة التصنيف الإئتماني «موديز» خفّض تصنيف لبنان من B- مع رؤية سلبية إلى CAA1 مع رؤية مستقرة بسبب ما وصفته بـ«استمرار تشكيل الحكومة الذي سيزيد الضغوط على السيولة في لبنان؟».
من المؤكد ان المعطيات الإيجابية التي برزت في الساعات الماضية لم تأت من العدم، بل هي بفعل المخاوف التي بدأت تدّب في قلوب المسؤولين اللبنانيين من مختلف انتماءاتهم، بالإضافة إلى التحذيرات الجدية التي وصلت إلى أهل القرار في لبنان بأن استعجلوا التأليف قبل ان تهب عليكم رياح الأزمات الاقتصادية والمالية وما يستتبع ذلك من حالة فوضى على كل الصعد، وقد ألمح إلى هذه المخاوف وزير المالية علي حسن خليل المعني الأوّل بهذا الأمر من خلال اشارته إلى ان تقرير «موديز» يُؤكّد الحاجة إلى الإسراع في تشكّيل الحكومة لاطلاق عملية الإصلاح المالي، وهذا الكلام للوزير خليل ليس مبنياً على مجرّد تحليلات واجتهادات بل هو قائم نتيجة معطيات غير مشجعة باتت بحوزة وزارته بالتأكيد.
هذا التفاؤل الذي ما يزال حذراً حول قرب تأليف الحكومة يتوقع ان يترافق في غضون الساعات المقبلة بمروحة من الاتصالات والمشاورات العلنية وخلف الكوليس للرئيس المكلف وغيره من المعنيين بملف التأليف بغية الوصول إلى خاتمة سعيدة تؤدي إلى وضع توليفة حكومية تحظى بقبول الجميع، ويصعد بها الرئيس الحريري إلى بعبدا ليوقع مراسيمها والرئيس ميشال عون وتعلن وفق الأصول.
حتى مساء أمس، تؤكد مصادر متابعة ان ما يقال حول قرب ولادة الحكومة يسوده الغموض والتساؤل لناحية الصيغة التي تمّ التوافق عليها بشأن تمثيل «اللقاء التشاوري» سيما وان أحد اعضاء هذا «اللقاء» أكّد ان أحداً لم يفاتحهم بهذا الأمر ولم يعرض عليهم أي صيغة للقبول بها أو رفضها، مشدداً على ان النواب السنَّة المستقلين ما زالوا على موقفهم الداعي إلى ان يكون ممثلهم في الحكومة ممثلاً حصرياً للقاء التشاوري ولا يحضر اجتماعات وزراء رئيس الجمهورية.
وعزت المصادر إصرار اولياء أمر التأليف على عدم البوح بالصيغة التي يتم التشاور بشأنها إلى رغبة في عدم حرقها اسوة بالصيغ التي طرحت في السابق والتي مات معظمها قبل ان يولد بفعل تسريبها قبل نضوج التفاوض حولها، من دون ان تسقط من الحساب إمكانية ان تتبلور الفكرة المتداولة في غضون الـ48 ساعة ليتبين بعدها الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ما خص تأليف الحكومة.
وفي تقدير المصادر ان الساعات المقبلة ستسجل رياحاً حكومية ناشطة يؤمل ان تحول دون دخول أزمة التأليف الشهر التاسع، خصوصاً وان جميع الأفرقاء قد وصلوا إلى الدرجة الأخيرة من السلم، وان هؤلاء أيقنوا بأن الاستمرار في الصعود والتصعيد سيؤدي بطبيعة الحال إلى السقوط، وان تجنّب الوصول إلى ذلك له مسار واحد وهو التراجع خطوة إلى الوراء وهو ما يقال عنه في علم السياسة تقديم التنازل، وفي حال حصل هذا الأمر فعلاً سنكون امام تأليف قريب للحكومة وفي حال كان العكس فإن البلد ستكون امامه هوّة سحيقة لن يكون في مقدوره تجنّب الوقوع فيها، وهذا ان تمّ فإن خسائره الفادحة ستصيب كل الأطراف من دون أي استثناء.
وحيال هذه الموجات الإيجابية فإن المصادر تحبذ عدم الافراط في التفاؤل مستشهدة بمثل شعبي استخدمه رئيس مجلس النواب نبيه برّي أكثر من مرّة طيلة مرحلة التفاوض بشأن التأليف والهبات الباردة والساخنة التي كانت تسود عمليات التفاوض «لا تقول فول حتى يصير بالمكيول»، وهي تستتبع ذلك بالدعوة إلى مراقبة المشهد الإقليمي الذي له بالتأكيد بالغ الأثر على الواقع السياسي اللبناني.