IMLebanon

نصائح ديبلوماسية: لخروج المسيحيين من امجاد الماضي

في ظل تحركات متسارعة تشهدها المنطقة على أكثر من محور، مرة جديدة يعود التوتر إلى الساحة الداخلية عبر خطابات الشحن والتحريض الطائفي المسيحي – الإسلامي بأعلى درجاته، وذلك على خلفية الدعوة للجلسة التشريعية التي تقاطعها الأحزاب المسيحية الوزانة أي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب فيما تصر بالمقابل القوى الإسلامية الوازنة على عقدها على قاعدة أن ضرورة حماية البلاد من الانهيار أهم من الميثاقية وذلك في مشهد يعيد بحسب مصادر سياسية بارزة أجواء الانقسام المسيحي – الإسلامي الحاد الذي كان سائدا في مطلع السبعينات على مشارف الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في العام 1975 وانتهت في العام 1990 على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» التي بقيت حبرا على ورق بعد اتفاق الطائف الذي جرى تنفيذه في لبنان برعاية سورية – سعودية ضمن السياق الذي أدى بشكل ممنهج إلى ترجيح كفة نفوذ وحضور ودور القوى الإسلامي في الدولة اللبنانية على حساب تراجع وتهميش الدور المسيحي الذي فقد توازنه بعد أن قلص اتفاق الطائف صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي وبعد أن جرى وضع قوانين انتخابات على قياس تمكين المسلمين بالسيطرة على مجالس النواب المتعاقبة منذ تنفيذ تطبيق الطائف وهذا الأمر أدى بطبيعة الحال إلى هيمنة الفريق الإسلامي على الحكومات بتشكيلها و تركيبتها أيضا منذ ذلك الحين.

المصادر أكدت بأن التصعيد الخطابي والسجالات المتبادلة سوف تستمر بوتيرة عالية خصوصا بعد دخول البطريرك الماروني على خط هذه الأزمة من دون أن يغير حتى هذه اللحظة أي شيء من معطياتها، حيث أن المعلومات المستقاة من كواليس القوى المعنية بتداعيات هذه الأزمة تؤكد بشكل قاطع بأن قرار عقد الجلسة مستمر بمن حضر حتى اشعار آخر. مؤكدة بأن الإتصالات التي جرت خلال الساعات الماضية قد فشلت من تحقيق أي خرق في الجدار الذي لا يزال مسدوداً بفعل تمسك كل فريق بموقفه على الرغم من أن هذا الأمر يتناقض ويتعارض مع كل الالتزامات المعلنة حول تمسك أطراف قادة الحوار الوطني بالتهدئة والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يخلط الأوراق ويقلب الطاولة في الإتجاه الذي يثير العصبيات ويدفع نحو الصدامات والمواجهات مجدداً في الشارع مع ما يحمله هذا الأمر من تداعيات خطيرة على وحدة لبنان واستقرار وامنه الذي يبقى موضع استهداف من قبل اسرائيل عبر شبكاتها الاستخباراتية الشديدة الخطورة ومخططاتها العدوانية.

وتتابع المصادر بان هناك بعض السفراء التي تتمتع دولهم بقدرة عالية على التأثير بمجرى التطورات والأحداث في لبنان كان حضورهم بارزاً في الإتصالات التي جرت خلال الساعات القليلة الماضية مع بعض قيادات الصف الأول في لبنان، حيث أن هؤلاء السفراء كانوا واضحين في طروحاتهم لناحية تذكير جميع المسؤولين اللبنانيين بأن لبنان ليس على رأس أولويات القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثرة في المنطقة. وبالتالي أن تدهور الأوضاع الداخلية في وطن الأرز ستكون عواقبه وخيمة في حال استعار حدة الخطاب الطائفي والمذهبي الذي يهدد لبنان بالوقوع بشرك الحرب الأهلية مجددا، ناصحة بأن المطلوب اليوم وقبل أي شيء آخر وقبل ان تتفاقم الأمور أكثر نحو الأسوأ العودة إلى العقلانية في الخطاب السياسي لتعزيز مناخات التهدئة والابتعاد عن القفزات العشوائية وكل ما من شأنه خلق الإرباكات الداخلية.

واشارت الى أن هذا الحراك الدبلوماسي حمل نصائح للمسيحيين بضرروة الخروج من أخطاء الماضي التي اخذت لبنان نحو مهالك الحرب الأهلية التي تغذيها أحقاد الإنعزال والتقوقع والتخلف والتعصُب المعششة في بواطن هذا النظام المذهبي والطائفي اللبناني الذي لا ينتج سوى الأزمات والمحن والفتن التي تشبهه، خصوصا أن المطلوب من القيادات الروحية والسياسية والمدنية المسيحية أن تتصرف بواقعية وبحكمة تراعي متغيرات الأوضاع على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي بحيث أن هذه الأوضاع المتغيرة والمتبدلة تتطلب من المسيحيين الخروج من ذكريات الماضي وأمجاده ومقاربة القضايا المطروحة بذهنية منفتحة قادرة على التكيف مع الواقع وتحدياته الخطيرة التي لا تحتمل الكثير من الرفاهية التي يتعاطى فيها بعض المسؤولين المسيحيين الذين سبق لهم أن أخذوا المسيحيين في لبنان إلى عبثية مغامرات عنادهم الطائشة التي دفع فيها المسيحيون اللبنانيون أثماناً باهظة من حضورهم ودوهم السياسي والإجتماعي في لبنان هذا فضلا عن الخسائر الفادحة التي لحقت بالجمهور المسيحي في لبنان على صعيد الخسائر البشرية التي سببتها الحروب الداخلية وأيضا على صعيد النزف الاغترابي الذي يصيب الشباب المسيحي الذي يهاجر من هذا البلد ولا يعود إليه جراء الأوضاع الصعبة التي يعانيه المسيحيون في وطن الأم لبنان.

وأشارت الى أن النصائح الدبلوماسية شددت على ضرورة تجنب التشنجات الإسلامية – المسيحية نظرا لعواقب تلك التشنجات الوخيمة على أمن لبنان واستقراره وسلمه الأهلي ووحدته خصوصا في ظل ما يتعرض له المسيحيون من تهجير وتنكيل على أيدي الجماعات المتطرفة الإرهابية التي تتخذ من الإسلام غطاء لتبرير أعمالها الإجرامية البربرية في المحيط والجوار، وان كان الإسلام الحقيقي بريء من تلك الجماعات التي لا تزال خلاياها النائمة في لبنان ناشطة وهناك من يغذيها ويدعمها لاستدراج الفتنة الطائفية ضمن السياق الذي يخدم مخطط تفريغ هذا الشرق من الوجود المسيحي الذي لا يزال ثقله الوازن في لبنان على الرغم من التراجع الدراماتيكي الذي أصاب الحضور والدور لمسيحيي لبنان خلال العقدين الماضيين.

في المقابل، أضافت المصادر بأن النصائح الدبلوماسية عينها شددت أيضا على ضرورة أن تدرك جميع القوى السياسية في البلاد لا سيما الإسلامية منها بأن هذا الخطاب التصعيدي الخطير الذي شهده البلد مؤخراً غير مقبول ولا يخدم اي فريق سياسي في البلد لأنه لا ينتج إلإ الفتنة التي تولد الحروب والنزاعات التي يخسر فيها الجميع في بلد محكوم بالتوافق بين مكوناته. وبالتالي لا يمكن لأي فريق أن يعتبر نفسه اكبر من لبنان وصيغته وعيشه الوطني المشترك، كما لا يمكن لاحد خلف أي شعار أن يقفز فوق المؤسسات والدستور والقوانين ليفرض دستورة وقانونه ورؤيته وخياراته الأحادية على بلد التعدد والتنوع. فهذا الامر بحسب المصادر عينها يخالف منطق الشراكة ويتعارض مع واقع وطبيعة لبنان الذي حقق الانتصار على اسرائيل ومشروعها التفتيتي من خلال وحدة أبنائه ونظامه الديموقراطي وتفاعله الحضاري بين مختلف مكوناته .مشددة بإن الانقلاب على نظام لبنان وضرب وحدة أبنائه هو «هدية مجانية» تقدَم للعدو وأدواته التكفيرية الارهابية الذي لا يزال متربصاً بوحدة وصيغة لبنان في التعدد والتنوع والعيش المشترك وهو لا يوفر وسيلة أو فرصة من أجل ضرب أمن واستقرار لبنان وتفريق وشرذمة أبنائه، وما شبكاته التي تواصل القوى الامنية اللبنانية جهودها على مختلف المستويات لتفكيكها وإفشال مخططاتها إلا دليلاً قاطعاً بأن الخطر الإسرائيلي – التكفيري لا يزال الخطر الأول والأكبر على لبنان الذي يجب دائماً التصدي له ومواجهته عبر تعزيز الوحدة الوطنية التي هي اليوم موضع اهتزاز نتيجة العودة إلى مرحلة طرح القضايا والعناوين التي تساهم في تعزيز حالة الفرز الطائفية والمذهبية والمناطقية الشديدة الخطورة في لبنان.