مرّ شهر ثالث على وعود رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتحويل رواتب الديبلوماسيين اللبنانيين المعينين في الخارج. وهي ليست المرة الأولى التي يعاني فيها هؤلاء من سوء إدارة الدولة لملفهم، بل تتجدد الأزمة نفسها كل ثلاثة أشهر نتيجة عدم تقاضيهم مستحقاتهم ويتكرر المشهد نفسه بتقاذف الوعود والمسؤوليات بين كل من ميقاتي وخليل وسلامة. ورغم إصدار مكتب ميقاتي أمس نفياً للخبر الذي جرى تداوله عن وصفه الديبلوماسيين بـ«الضعاف وما في حدا وراهم»، إلا أن سلوكه طيلة فترة ولايته وتأجيله البتّ بالتعيينات الديبلوماسية لمحاولة قطف ثمنها سياسياً يصبّ في هذا الإطار. خصوصاً أن الديبلوماسيين، وتحت عنوان الحفاظ على صورة لبنان في الخارج وعدم المتاجرة بمصالح المغتربين وإقاماتهم وجوازات سفرهم، أحجموا عن الإضراب مرات عدة. شأنهم في ذلك شأن السفراء الذين مرّ على وجودهم في وزارة الخارجية أكثر من 5 سنوات من دون إعادة تشكيلهم أو تكليفهم بمهمات. فهؤلاء أيضاً، توافرت لديهم فرصة تعطيل الإدارة قبيل الانتخابات النيابية والضغط لنيل حقوقهم لا سيما أن رواتبهم التي كانت بالدولار تحولت إلى ليرات لبنانية، لكنهم كزملائهم رفضوا المسّ بالاستحقاق الانتخابي. في المحصلة، وفى الديبلوماسيون في الخارج والداخل بتعهداتهم وأتموا واجباتهم غير أن الحكومة لم تف بتعهداتها تجاههم ورئيسها استخدم حقوقهم في بازار المناكفات والخلافات السياسية. فميقاتي نفسه، كان قد أبلغ وزير الخارجية عبدالله بو حبيب غداة اجتماعه بالديبلوماسيين لثنيهم عن الإضراب منذ أكثر من ثلاثة أشهر بعد عدم وضعه التشكيلات على جدول الأعمال، أنه «نجح بإسكاتهم ويعتقد أنهم لا يشكلون أي ضغط بل يسهل احتواؤهم عند اللزوم» على ما أشارت مصادر مطلعة. هذا الاستخفاف أدّى إلى تأجيل إقرار التشكيلات عدة مرات إضافة إلى تأخير تحويل الرواتب كما تعريض أكثر من ديبلوماسي عامل في الإدارة للظلم. المسؤولية الأكبر هنا يتحملها ميقاتي وبدرجة ثانية وزير الخارجية. الأخير اجتمع بوفد من الديبلوماسيين أول من أمس وطلب منهم اقتراح حلول عليه وكأن الأمر في يدهم، على أن يُراجع طروحاتهم حالما يعود من رحلته الاستجمامية التي يبدأها نهاية الأسبوع تاركاً وراءه وزارة مشلولة نتيجة تلاشي حماسة رؤساء الوحدات والمدراء وتراجع إنتاجيتهم بسبب الوعود الفارغة بتشكيلهم والرواتب الضئيلة. فيما الديبلوماسيون المنتشرون في الخارج فقدوا أيضاً أي حافز للعمل وينتظرون عودتهم إلى لبنان. القاسم المشترك بين من في الداخل والخارج أن «الطبقة السياسية كذبت علينا ولا نية لديها لإنجاز أي تشكيلات». وتعزو مصادر أخرى ما حصل إلى أن ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري «كانا ينتظران موت التيار الوطني الحر بعد الانتخابات للاستفراد بالتشكيلات فأتت النتيجة لتحبط خطتهما. وهما اليوم يعولان مجدداً على نهاية العهد للغاية نفسها رغم أن باسيل سيبقى لاعباً أساسياً ورغم أن السفراء المفترض تشكيلهم سيبقون هم أنفسهم ولن يتبدلوا. بمعنى أن تغير الحكومات والعهود لن يغير في أسماء السفراء أكانوا أقرب إلى خط التيار الوطني الحر أم غيره. وميقاتي على يقين بذلك لكنه يستمتع ببيع الأوهام على حساب مصالح الديبلوماسيين المحترفين». والواقع أن ثمة دوراً كبيراً يمكن أن يقوم به السفراء اليوم خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية والانهيار «لناحية إعداد برامج وتسويقها في الخارج لاستقطاب المساعدات». إلا أن وضع السفارات المترهل ووضع الإدارة المشلول، دفع كل الديبلوماسيين إلى التلهي بأنفسهم وأدخلهم في حالة من الانتظار شهراً بعد آخر. فهؤلاء يشكون إهمال أوضاعهم وإفقارهم المتعمد لا سيما أن وزارة الخارجية تدخل إيرادات إلى الخزينة بالدولار وقد زادت بنسبة 120% بعد زيادة الرسوم.
كل ثلاثة أشهر يتكرر المشهد نفسه ويتكرر تقاذف الوعود والمسؤوليات بين ميقاتي وخليل وسلامة
من ناحية أخرى، ثمة مشكلة موازية يعاني منها الديبلوماسيون المكلفون بأمر مهمة والذين لم يتقاضوا أي راتب منذ ستة أشهر، مما حال دون موافقة أي سفير في الإدارة على تكليفه بأي مهمة في الخارج علماً أن المراكز الشاغرة محدودة جداً. يبقى طوق النجاة الوحيد بالنسبة لكل الديبلوماسيين هو تعويلهم على توسيع مفهوم تصريف الأعمال مما يسمح لمجلس الوزراء بإقرار التشكيلات وإنصافهم. وخلافاً لسلوكهم المهادن للطبقة السياسية في الأشهر السابقة، بدأوا يتحدثون عن تحركات قريبة للضغط على رئيس الحكومة ووزير الخارجية. لكن حتى الساعة لا تزال هذه التحركات مجرد مداولات في ما بينهم على تطبيق الواتساب، وهو ما يعزز ارتياح ميقاتي بشكل أو بآخر.