قال نائب «مستقل» إنه رفض عرضاً بنصف مليون دولار ثمناً لصوته في جلسة أمس، وقال لمحدّثه: «ولو، نصف مليون؟ شو عم ننتخب مختار؟»
رئيس حزب «بارز»، وهو ليس جبران باسيل، واثق من التزام جميع نوابه بقرار التصويت لجهاد أزعور سارع إلى القول قبل أن يسأله أحد: ابحثوا عند غيرنا عمّن غدر وخان؟
قال رئيس جهاز أمني «فاعل» إنه عمل طوال الأيام الماضية على مراقبة النواب و«أصدقاء» المرشحين، وهو مستعدّ لأسئلة بدأت ترده، بعد الجلسة، عما إذا كان يملك أدلة تحدّد من أعطى سليمان فرنجية أصواتاً غير محسوبة؟
يمكن الاسترسال في عرض أخبار من سوق الأربعاء في ساحة النجمة. لكنّ حقيقة الأمر أن الجمع انفضّ، وعاد الصمت ليلفّ المكان، مرافقاً الفراغ إلى ما شاء الله!
من الطبيعي أن لا يهدأ بال أحد لمعرفة حقيقة التصويت، وستكون الخلافات على تقدير الوضع أكبر من الخلاف على المرشحين. لكنّ استعراضاً سريعاً لمسار التصويت يدلّ على فشل الحشد الهائل الذي قام به فريق أزعور. بينما يمكن لفريق فرنجية القول إن ما جرى ينفي صفة المرشح المفروض عنه، وإن «التقاطع» لم ينجح في فرض مرشحه على الآخرين. وتكفي مراجعة هادئة للقول إن فريق فرنجية يمكنه جذب عدد أكبر من العدد الذي يمكن للفريق الآخر تحصيله. لكنّ المشترك بين الفريقين أن دفعاً خارجياً من شأنه قلب النتائج بصورة كاملة،
وهو ما أعاد الجميع إلى السؤال عن الاتصالات الخارجية، وانتظار نتائج الاجتماع المرتقب بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وفي حال ركن الجميع إلى هذا العامل، فإن المشكلة الأساسية لن تُحلّ. وسيبقى هناك من لا يمكن للخارج أن يفرض عليه قراراً بدعم أحد المرشحين. وهؤلاء في موقع مستقل فعلاً (طبعاً لا أحد يفكر لا بـ«التغييريين» – اقرأ التقليديين – ولا في نواب الصدفة الذين حملهم قانون الانتخاب لا التصويت إلى البرلمان)، ويملكون حيثية قادرة على التعامل مع الأحداث الكبرى، وهم يملكون كتلاً نيابية وازنة، من شأنها حسم النتيجة. وبما أن الكل يعرف الكل، فلا حاجة إلى شروحات أو وسطاء، وعدنا إلى السؤال نفسه: هل يمكن فتح الأبواب الموصدة أمام حوار ينتج رئيساً؟
والحديث هنا يدور عن جبهتين، إحداهما تخصّ حزب الله والتيار الوطني الحر، وثانية تخصّ حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، لأن الخلافات بين بقية القوى وهذه المكوّنات كبيرة جداً. وبات بمقدور القوات اللبنانية تثبيت التقاطعات التي جرت مع أبناء جلدتها، وتحويلها إلى تحالفات، وأن تتزعّم حالة سياسية تجمع غالبية من وقّعوا على عريضة الـ32 نائباً الذين أعلنوا دعمهم لأزعور من منزل المرشح السابق ميشال معوض، وإضافة بعض المستقلين ممن يعانون عوارض «حساسية البيئة»، أو بعض المنافقين من جماعة 17 تشرين. ولا يحتاج سمير جعجع إلى محاضرات ليقنع كل هؤلاء بأن هناك «خصماً مشتركاً لنا جميعاً هو حزب الله، وما علينا سوى التعاضد والتعاون لنعرف كيف نواجهه».
وفي موقع آخر، لا حاجة إلى وسيط بين الرئيس نبيه بري وحليفه الدائم وليد جنبلاط، ويمكن للرجلين تبسيط النقاش للبحث في آلية إنعاش الصيغة القائمة للحكم في لبنان، واحترام الخطوط الحمر لكل منهما. وإذا كان جنبلاط يربط موقفه المتشدّد من فرنجية بعلاقة الأخير مع الرئيس السوري بشار الأسد، فإنه يدرك أن للرئيس بري أيضاً مشكلة مع الرئيس الأسد. وبالتالي، يمكن للاثنين البحث معاً في كيفية الخروج من هذا المأزق، ولديهما خبرة هائلة في تدوير الزوايا والوصول إلى تفاهمات.
لكنّ النقاش الفعلي يعود، مرة جديدة، إلى الملعب الخاص بالحزب والتيار. وما الجروح الكبيرة التي أصابت جسد التفاهم بينهما سوى مدعاة للتيقّن من وجود حقائق تم تجاهلها سابقاً لأسباب غير مقنعة. وصار لزاماً التوجّه مباشرة صوب مشكلة «المسألة اللبنانية»، حتى لو كان مدخلها الآن هو الملف الرئاسي. وبعد أن صار لكل منهما مرشحه الواضح، فإن الاستعداد للتسويات رهن عمليات الإقناع وتبادل المصالح. وهو أمر يرتبط من جهة المقاومة بما تراه حاسماً حيال موقعها في المعادلة داخلياً وخارجياً، ويرتبط من جهة التيار، بما يساعده على كبح جماح «الميل الانعزالي» الذي عاد لينشط داخل بيئته كما لدى قسم كبير من المسيحيين، بمن فيهم الكنيسة والمؤسسات التربوية والاجتماعية والأحزاب والجمعيات غير الحكومية… وحدهم أهل التجارة في هذا الوسط يقفون في وجه التقسيم، خشية أن يؤثّر على مصالحهم، لأن احتكار الصنف انتهى إلى غير رجعة.
العلاجات الداخلية تتطلّب حوارات مباشرة بين التيار والحزب وكذلك بين بري وجنبلاط، بينما يمكن للقوات تثبيت زعامتها على خصوم المقاومة
وفي تقديم لحوار يفترض أنه مدخل لترميم الثقة الشخصية والعملانية بين الفريقين، يجب عدم توسيع جدول الأعمال، وحصر بنوده بما يخصّ الهواجس الرئيسية لكل منهما. ولا حاجة، بعد كل ما جرى، أن يشرح أحد للآخر، بأن فرصة إسقاط «النموذج القائم» غير متاحة الآن. لكنّ الوقت داهم لمواجهة عناصر مركزية في الأزمة اللبنانية، سياسياً ودستورياً واقتصادياً ومالياً وإدارياً.
وفي حال لم يكن كل طرف مستعداً مسبقاً لأن يعيد ترتيب أوراقه بصورة جيدة، ويتم التخلي عن المكابرة والإنكار وخلافهما من صفات العناد والتصلب، وهي صفات موجودة عند الطرفين، فإن النقاش لن ينتج إلا الأسوأ، وعندها من الأفضل عدم الإقدام عليه. أما في حالة التصرف وفق مبدأ «الحوار غير المشروط» بقصد تحقيق «نتائج منطقية»، فإن الأبواب لم توصد بعد، ولا تحتاج إلى من يفتحها.
من ملف : الحوار حتماً!