اقتربت المبادرات غير المنسّقة لتأمين الإفراج عن المخطوفين العسكريين من دخول كتاب «غينيس» من دون أن تحظى أيٌّ منها بتفويض حكومي أو من الخاطفين على السواء. فالتشكيكُ بكلِّ ما طُرح حتى اليوم فَرَض نوعاً من القناعة بأنّ المفاوضات المباشرة هي أقصر الطرق الى التثبّت من صدقية الخاطفين ونيل حرية المخطوفين. فكيف؟
يعترف وسيط سابق أنّ حجم الوساطات التي طرحت الى اليوم للإفراج عن العسكريين المخطوفين في جرود عرسال لم تبنِ أساساً صالحاَ لنقول إنّ العملية بدأت ولا بدّ من مواكبتها بهذه الخطوة أو تلك.
وقال إنّ الحقيقة صعبة للغاية، فالمسلّحون الخاطفون اثبتوا قدرتهم على التلاعب بأعصاب اللبنانيين جميعاً وعلى كلّ المستويات. ونتج عن ذلك عجز رسمي يساوي عجز أصحاب النوايا والمبادرات عن فرض آلية واضحة توفر الظروف التي تعيد المخطوفين الى الحرية بعدما فرضوا نهجاً لم تشهده مسألة من هذا النوع بأبعادها الوطنية.
ومن دون الدخول في عملية جلدٍ للذات يمكن أن تجريها المراجع المعنية في تقويمها للخطوات التي كانت تعتقد أنها ستفتح الباب أمام عودة المخطوفين، فقد ظهر أنّ لبنان المفكَك على خلفية تعاطيه مع الأزمة السورية وانقسام اللبنانيين حولها شكلاً ومضموناً وما آل اليه الوضع على الحدود اللبنانية – السورية كان من نتاج التخبط الرسمي والحزبي وتكوينهما الطائفي الهش.
ولذلك قالت المصادر إنّ «إحياء الحوار بين اللبنانيين ولا سيما بين مكوّناته الطائفية قد يفتح الباب على آلية واضحة لمواكبة هذه القضية، لكنّ المسافة دونها ما زالت طويلة ومعقدة ما لم يلجأ لبنان الرسمي الى وضع حدٍّ لكلّ ما يجري والسعي الى مفاوضات مباشرة كتلك التي رافقت عمليتي الإفراج عن «لبنانيي إعزاز» و«راهبات معلولا».
وكان الوسطاء الخارجيون يساهمون في تذليل العقبات المرحلية متى وجدت في زمانها ومكانها بحيث كانت تطرح مطالب واضحة ومحدَدة للغاية فأسهموا في حلّ عقدها بتسهيل العبور الى الحلّ النهائي.
وعليه يقترح أصحاب الدعوة الى المفاوضات المباشرة البدء بخطوات محدَدة تنهي بالسرعة القصوى فوضى المفاوضين المتبارين في نقل المطالب على وقع التشكيك بكلِّ خطوة يقوم بها أحدهم بالنظر اولاً الى شكلها، بتسليم المهمة ثانياً الى المكلفين بها ومَن بيدهم قرار الرفض او القبول.
ودعوتهم الى استعادة المبادرة ووقف حركة الموفدين الى جرود عرسال بقرارٍ جريء قد تتخذه خلية الأزمة الوزارية باقتراح تتقدّم به الى مجلس الوزراء او تلك الخلية الأمنية التي تعمل تحت رعايتها وبإشرافها والدعوة الفورية الى المفاوضات المباشرة مع الخاطفين بغية أن يكلِّفوا مفاوضاً منهم يحظى بالحصانة ليتحمّل مسؤولية الحديث عن مطالب محدَدة.
فالتجربة التي شهدتها مقرات عدة في الدوحة ومدن عدة في تركيا في قضيتَي أعزاز ومعلولا كانت وستبقى الأنسب. وتحديداً عندما قصدها مفاوض لبناني بمستوى رئيس حكومة أو وزير داخلية ورافقه في المهمة المدير العام للأمن العام.
وعندها يضيف أصحاب الدعوة، ستظهر مدى جدية الخاطفين في معالجة الموضوع لأنهم سيكونون في مواجهة طرف واحد يعرف حجم قدراته بحدودها الدنيا والقصوى. وتبدأ العملية الجدية التي يجب أن تكون سرية للغاية ومضبوطة على إيقاع بالغ الدقة من دون أن يناقشها أحدٌ في ما يمكن أن تصل اليه.
وبهذه الطريقة فقط يمكن للجانب اللبناني أن يستخدم اوراق القوة التي لديه وأهمها الثقة المطلقة بمَن سيتولى المهمة فلا يزايد أحدٌ على أحد. فجميع الأطراف الذين زارهم اهالي العسكريين أقرّوا بالمقايضة وهي أقصى ما يمكن القيام به. وما على هؤلاء سوى ترك «الخبر للخباز» إذا ما صدقت النوايا وتوقف البعض عن اعتبار المخطوفين سلعة طائفية او سياسية.
ويختم أصحاب الدعوة بالقول: «إنّ المنطق الذي قاد الى الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» والأسباب الموجبة التي دفعت اليه يمكن أن تكون إياها في البحث عن أقصر الطرق لإستعادة المخطوفين. وأيّ كلام خارج هذا الإطار سيؤكد المؤكد أنّ اللبنانيين لم يُجمعوا بعد على استعادة مخطوفيهم وما على الجميع سوى أن يتحمّلوا مسؤولياتهم وهي جسيمة وكبيرة.