Site icon IMLebanon

إخراج لبنان من عصر الحشيشة!

 

إذا كان من الصعب على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إرغام إسرائيل على تجميد طموحاتها التاريخية، والقبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة…

وإذا كان من المستحيل على دولة اليهود القبول باستخراج النفط أو الغاز، من دولة جارة تنافسها في مختلف الميادين…

 

وإذا كانت المبالغ التي يحولها المغتربون سنوياً انخفضت من تسعة بلايين دولار غلى ثلاثة بلايين، فإن هذا التحول يتطلب من الدولة التعامل بحكمة مع المستجدات التي شهدت عودة آلاف اللبنانيين العاملين في دول الخليج العربي والدول الأفريقية!

 

وكان من الطبيعي أن يؤثر انخفاض الدعم الاغترابي المستمر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي تطلب تدخل المسؤولين بحثاً عن حل سريع. وظهر الحل المفاجئ خلال المهرجان الذي أقامته حركة «أمل» في مدينة بعلبك خلال الذكرى الأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه في ليبيا.

 

ولم يكن صاحب الحل سوى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي اعترف أمام الحضور بأن الدولة ملزمة باستنباط عملية إنقاذ سريعة. والسبب، في رأيه، يختصره حجم الدين العام الذي أصبح ثالث أعلى مديونية في العالم بالنسبة إلى الناتج العام (120 بليون دولار).

 

وبعد مطالبته بأهمية وضع خطة أمنية تتمثل في إنشاء مجلس تنمية للبقاع ومجلس آخر لعكار والضنيّة والمنية، على غرار «مجلس الجنوب»، اقترح الرئيس بري إصدار قانون يشرّع زراعة «الحشيشة» لأغراض طبية وصحية. ثم زاد، موضحاً: «تبرز الحاجة إلى تشريع زراعة الحشيشة، خصوصاً أن هناك 123 دولة شرّعته بمَا فيها الصين والهند، إضافة إلى 29 ولاية أميركية».

 

عقب إصدار هذا الاقتراح من رئيس المجلس التشريعي، تبارى السياسيون والمزارعون حول تشريع زراعة الحشيشة، وكيف يمكنها أن تفتح فرصاً جديدة للاقتصاد اللبناني المنهار.

 

أول تعليق صدر عن وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال غازي زعيتر الذي أيد هذه الخطوة، شرط اقتصار استعمالها على الأغراض الطبية والصحية.

 

النائب ماريو عون (التيار الوطني الحر) نشر سلسلة محاذير وعوائق، قال أنها ستعرقل عمل هذا المشروع بسبب وجود مئات التجار الذين يحتكرون هذه التجارة المربحة. وقد أيده بعض نواب «التيار»، نظراً إلى صعوبة ضبط عمليات التهريب، خصوصاً أن لبنان جاء تصنيفه الثالث من الأمم المتحدة، بعد أفغانستان والمغرب. وفي ظل هذه الاعتبارات، شكك كثيرون في مردود هذا المشروع على الاقتصاد العام، ما لم يتم حصره بمؤسسة مختصة في هذه الزراعة، مثل «إدارة حصر التبغ والتنباك.» ووفق ما صدر عن مكتب الدراسات التابع لمحمد شمس الدين، فإن مساحة الأراضي المزروعة في البقاع تُقدَّر بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف هكتار. ويكفي أن نعرف أن كل كيلومتر مربع يدرّ على المزارع عشرين ألف دولار. وهذا وحده سبب كافٍ لاحتمال اتساع المساحات المزروعة بالحشيشة.

 

قبل مدة قصيرة، كتبت صحيفة «ديلي ميل» بحثاً مستفيضاً استقت معلوماته من مصادر علمية، يؤكد فيه باحثون في جامعة روستوك الألمانية أن نبتة الحشيشة أو (القنب الهندي) هي علاج لتقوية جهاز المناعة ومكافحة السرطان.

 

وكانت أبحاث المختبرات قد كشفت وجود مادة كيماوية تسمى «فتيوكانا بينويدز» يستخدمها أطباء لمنع تكاثر الخلايا السرطانية. وأظهرت نتائج دراسات طُبّقت على مئة مريض بالسرطان، أن المواد المخدرة في الحشيشة تفرز مواد مضادة لهذا المرض الخبيث. عليه، قررت شركات الأدوية رصد مبالغ خيالية من أجل تطوير العقاقير الخاصة بتقوية جهاز المناعة.

 

النائب أنطوان حبشي، عضو «كتلة الجمهورية القوية»، طالب بتغيير بذور القنبز واستخدام شتلة جديدة تُستخدم للأغراض الطبية والصحية فقط. كذلك اقترح على وزارة الزراعة تأمين كميات من هذه الشتلة التي تعود على المزارع بأرباح مضاعفة وتمنع عنه الملاحقة القانونية في حال تحقق التشريع.

 

يعترف أبناء العشائر في سهل البقاع ومنطقة الهرمل ودير الأحمر بأن زراعة الحشيشة كانت تتم تحت الغطاء الأمني الذي ينشره رجال الدرك فوق السهول الشاسعة. وعلى الرغم من حملات الدهم والملاحقة، إلّا أن تجار «الذهب الأخضر» كانوا يختارون وسطاء العمليات من أصحاب النفوذ. وكان هؤلاء الوسطاء منتشرين في مصر والأردن وفرنسا وبلجيكا. وقد اشتهر منهم المهرِّب الزحلاوي سامي الخوري، مؤسس أكبر شبكة لتصريف الحشيشة خلال الخمسينات والستينات.

 

آخر الخمسينات، صدر عنه في فرنسا كتاب يحمل هذا العنوان: «قضية سامي الخوري». ويروي المؤلف سيرة حياة سامي منذ زُجَّ في السجن في القاهرة وهو في سنّ المراهقة. ومعنى هذا أنه أتقن مهنة التهريب إلى خارج البلاد في مقتبل العمر. وقد عانى السفير سامي الخوري، شقيق الرئيس بشارة الخوري، من مغامرات «سميّه» الشيء الكثير ذلك أنه كان يتعرض للمضايقات والتفتيش كلما وصل إلى مطار عاصمة أوروبية.

 

يقول أصدقاؤه في زحلة أن سامي تزوج في سنّ مبكرة بحسناء فرنسية تُدعى ماريا فانسان. ورُزِق منها بابنة سمّاها «وديعة». وكان يتصرف كزعيم عشيرة، ويوزع المال على الجمعيات الخيرية، وعلى زعماء المنطقة الذين سهلوا له تنفيذ العمليات المستحيلة.

 

في آخر عملية قام بها عام 1962، اختفى المهرب العالمي سامي الخوري مع سائقه ورفيق مغامراته، من موظفي مديرية الأمن العام. ثم ترددت إشاعات في سورية والأردن أن قبيلة لورانس الشعلان خطفته وقتلته بعد خلاف على توزيع الأرباح. وهكذا بقيت عملية اختفائه سراً من الأسرار مثل عملية أنطوان قموع، تاجر السلاح اللبناني الذي اتُهِم معمر القذافي بتصفيته في فرنسا.

 

عندما وصل فؤاد شهاب إلى رئاسة الجمهورية كان ملف زراعة الحشيشة يتقدم كل الملفات الأخرى فوق مكتبه. والسبب، كما شرحه معاونوه، أنه كان يريد من وراء معالجة هذه المسألة الاجتماعية، إيجاد فرص عمل لأهل تلك المنطقة، واستبدال الحشيشة بزراعة مفيدة تغني المزارعين عن الربح السريع من إنتاج المخدرات.

 

واختارت وزارة الزراعة زهرة «دوّار الشمس» التي يُستخرَج منها الزيت النباتي. ولم يعمّر ذلك المشروع الإنمائي أكثر من ثلاث سنوات بسبب الربح الضئيل الذي يدرّه على مواطني قرى سهل البقاع.

 

والحشيشة نبتة قديمة جداً ذكرها هيرودوتس في كتابه عام 425 ق.م. وقال في ذلك أن القدامى كانوا يجففونها ثم يطحنونها ويرمونها على الصخور بعد إحراقها وتنشق رائحتها المخدرة.

 

اشتق اسم «الحشيشة» من «الحشاشين» نسبة إلى جماعة طائفية كان إمامها الحسن الصباح. ويُستفاد من الكتب التي نشرت سيرة حياته وعقيدته، خصوصاً كتاب إدوارد فيتزجيرالد، مترجم إلى الإنكليزية رباعيات الخيام. وكان الحسن الصباح يدين بنجاح دعوته إلى تضافر العمل السري والتضحية بالذات. وكان يعتمد على نبتة الحشيشة لتخدير أتباعه وإرسالهم في مهمات خطرة. مثال على ذلك، تنفيذ عملية اغتيال ملك القدس الماركيز كونراد دو مونغرا (28 نيسان – أبريل – 1192). وعندما اعتقل الفاعل اعترف أنه ينتمي إلى فئة طائفية تدعى «الحشاشون»، وأن زعيمه المباشر الشيخ رشيد الدين سنان الملقب بـ «شيخ الجبل» هو الذي أرسله لتنفيذ هذه المهمة. ثم تبيّن بعد حين أن صلاح الدين الأيوبي تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، على أيدي أتباع هذه الجماعة.

 

ويُعتبر كتاب «تاريخ الحشاشين» للمستشرق النمسوي جوزيف فون هامر، من أفضل المراجع الأكاديمية للتعريف بحركة الحسن الصباح سيد الحشاشين.

 

عودة إلى الاقتراح الذي أعلنه الرئيس نبيه بري، والمتعلق بضرورة تشريع زراعة الحشيشة، واستخدام مردودها الطبي لإنعاش الخزينة الضامرة.

 

وصدف أثناء إعلان الاقتراح أن أعلنت قيادة الجيش عن مقتل ثمانية مسلحين، وتوقيف 41 بينهم ستة جرحى. ولقد حدث ذلك خلال عملية دهم للمطلوب علي غسماعيل، المتهم مع عصابته بالترويج للمخدرات. وأسفرت الاشتباكات في بلدية الحمودية عن ضبط أسلحة ومخدرات. وربما ساعد هذا الحادث على تكليف لجنة اختصاصيين لإعداد صيغة اقتراح قانون يتعلق بزراعة الحشيشية.

 

حصيلة استقصاءات الرأي تشير صراحة إلى شكوك المواطنين بجدوى هذا التشريع، لاعتقادهم بأن الدولة فشلت في تأمين الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء وحل موضوع النفايات.

 

واستناداً غلى هذه الوقائع، فإن المواطن اللبناني لا يؤمن بجدية الدولة، ولا بكل تشريعاتها ما دامت الأرض مستباحة للفاسدين والمرتشين على أعلى المستويات!

 

* كاتب وصحافي لبناني