أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مراراً وتكراراً، أنّ واشنطن على ما يبدو تسير نحو تقسيم سوريا، مشيراً الى وجود خطة عملية لتقسيم سوريا، وموسكو ستطرح عليها سؤالاً: كيف يتصوّرون ذلك؟
واشنطن تنفي هذا الاتهام، ولكنها لا تنفي التقسيم، وقد صدر عنها غير مرّة أنّ روسيا تسعى لقيام دويلات في سوريا أبرزها دولة ذات طابع علوي “بسياج” هو خليط من السنّة والمسيحيين، وأنّ هذا الوضع سيؤدي الى تقاسم الأطراف المتورطة في سوريا النفوذ في المناطق السورية المتاخمة لتركيا والعراق والاردن.
هل صحيح أنّ القوتين العظميين في العالم، الغارقتين في المستنقع السوري، لا تريد كل منهما التقسيم وتتهم القوة الأخرى بأنها هي التي تسعى إليه؟
في تقدير خبراء دوليين أنّ مصير سوريا لم يتحدّد بعد وأنّ “اللعبة الدولية القذرة” لا تزال في بداياتها كما ذكرت صحف أميركية كبرى أخيراً، ويظهر أنّ هناك شبه إجماع على أنّ ما يبدو خلافاً عميقاً بين واشنطن وموسكو في سوريا وعليها هو مجرّد مظاهر خادعة الهدف منها تمويه تقاسم النفوذ في هذا البلد العربي الذي كان منيعاً ويحسب له الحساب في مسار الأزمات في الشرق الأوسط… ولكن هذا زمن مضى برحيل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ومنذ أن تسلّم المجرم بشار الرئاسة، حيث “نجح” في القضاء على آخر مقوّمات القوة والمنعة في سوريا.
والواقع أنّ سوريا، اليوم، خاضعة للنفوذ الاجنبي بدرجات مختلفة، إلاّ أنّ القوى الأبرز فيها، والتي يخدم كل منها القوة الأخرى عمداً أو بحكم الأمر الواقع، وأبرز مثال على ذلك القاعدتان الروسيتان: البحرية في طرطوس والجوية في حميميم، وقد أفادت المعلومات أخيراً بأنّ الروسي يعمل على نشر نحو 200 قطعة بحرية في الشاطئ… وكذلك القواعد الأميركية المستحدثة في هذا البلد العربي والتي يُقال إنّها أربع قواعد بينما تدّعي موسكو انها عشرون قاعدة أميركية عسكرية، ناهيك بالوجود التركي والوجود الايراني والكثير من الميليشيات.
وفي أي حال فإنّ الثابت هو أنّ هذا كله ما كان ممكناً أن يحدث لولا التواطؤ الاميركي – الروسي الذي يستفيد منه الطرفان والذي من دون أدنى شك أدّى، حتى الآن، الى خدمة النظام، مثال ذلك كيف سقطت حلب؟ لقد سقطت بالاتفاق بين الروس والأتراك… باعوهم حلب وأخذوا عفرين! ولولا هذه “البيعة” لم تكن حلب لتسقط مهما طال النزاع، واليوم يعلن أردوغان أنه سيمضي في تمدده من عفرين الى جرابلس.
وفي الغوطة أيضاً حصل الاتفاق بين الروسي والاميركي ما مكّن الطيران الروسي من تدمير الغوطة واستعادتها من المسلحين… ومعلوم أنه كان ممكناً إنهاء الحملة على الغوطة بصاروخين أميركيين ضد المقاتلات الجوية الروسية… فلا تسقط الغوطة.
ولو عدنا الى السنة الثالثة من الحرب، عندما جاءت الاساطيل لمحاسبة النظام على استعماله غاز السارين في الغوطة، وكان بشار يعد العدّة للهروب بعائلته الى خارج سوريا… يومها أوكل الاميركي الى الروسي التعامل مع الاسلحة الكيميائية بتجميعها ونقلها الى الخارج.
ونذكر أيضاً، في تلك المرحلة، استدعاء بشار الى موسكو منفرداً من دون حتى مجرّد أي مرافق عادي.
ونذكر أيضاً يوم تدخّل الروس بنحو 50 ألف عسكري فأوقفوا انهيار بشار ونظامه… واستفاد الروس من صفقات صواريخ الـ”S400″ وطائرات “السوخوي” التي جرى استخدامها في المعارك ما عزّز أسعارها في سوق السلاح.
والواضح أنّ “اللعبة القذرة” لم تنتهِ بعد بالرغم من كل ما يطفو على السطح من مظاهر اقتراب الوصول الى حل… فمصالح الاميركي والروسي في سوريا لم تكتمل بعد… وبانتظار استكمالها ستبقى معاناة سوريا وشعبها كبيرة خصوصاً ما بقي النظام متمسّكاً بالكرسي.
عوني الكعكي