يعاني المجتمع اللبناني منذ سنوات عدّة من انقسام حادّ بين خيارين: الأوّل، بناء الدولة ومؤسّساتها وبسط سلطتها على كلّ الأرض اللبنانيّة، وحصر السلاح بيد الدولة ومؤسّساتها، وبناء ثقافة المواطنة ليعيش لبنان في أمن وسلام بتعاونه مع أشقائه العرب، ومع إجماعهم في أيّ نزاع إقليمي أو دولي. والثاني، أن يكون لبنان ساحة ملتهبة للنزاعات الاقليميّة وجزءاً لا يتجزّأ من المشروع الصفويّ الفارسيّ العامل بشدّة وإصرار من خلال أذرعه العسكرية المذهبية على اختراق النسيج الوطني لبعض البلدان العربيّة تحت شعار، مقاومة العدو الصهيوني ومحاربة نفوذ الشيطان الأكبر”أميركا”.
يعاني المجتمع اللبناني منذ سنوات عدّة من انقسام حادّ بين خيارين:
الأوّل، بناء الدولة ومؤسّساتها وبسط سلطتها على كلّ الأرض اللبنانيّة، وحصر السلاح بيد الدولة ومؤسّساتها، وبناء ثقافة المواطنة ليعيش لبنان في أمن وسلام بتعاونه مع أشقائه العرب، ومع إجماعهم في أيّ نزاع إقليمي أو دولي.
والثاني، أن يكون لبنان ساحة ملتهبة للنزاعات الاقليميّة وجزءاً لا يتجزّأ من المشروع الصفويّ الفارسيّ العامل بشدّة وإصرار من خلال أذرعه العسكرية المذهبية على اختراق النسيج الوطني لبعض البلدان العربيّة تحت شعار، مقاومة العدو الصهيوني ومحاربة نفوذ الشيطان الأكبر»أميركا».
من المحزن والمؤلم أنّ اللبنانييّن وأكثريّة قياداتهم الملطّخة أيادي بعضهم بالدماء لم يأخذوا العِبَر من الحروب العبثيّة التي دمّرت لبنان ومؤسّساته على مدى 15 عاماً بين 1975 و1990 لحساب مصالح وتطلّعات إقليمية وأحياناً دوليّة. ومن أجل ذلك وخوفاً من تجربة الماضي المريرة، تعيش الساحة اللبنانيّة هذه الأيّام حالة قلق وإحباط، مع أزمات اقتصاديّة واجتماعيّة وبطالة تشير الى بوادر جوع وآلام ودموع هي الوسائل المتبقّية الّتي تعبّر عن آلام المواطنين، هذا بعد أن توسّم الناس خيراً بالتسوية السياسيّة الرئاسية ببُعدها العربيّ عام 2016 التي جازف بتبعاتها ومخاطرها الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع، وبعض القيادات اللبنانيّة، بهدف إخراج لبنان من جاذبيّة المشروع الفارسيّ ليحسم خياره في اتّجاه بناء الدولة ومؤسّساتها، غير أنّ كل الدلائل تشير الى أنّ «حساب الحقل غير حساب البيدر».
فـ»إعلان النيّات» عام 2015 التي أطلقتها «القوّات اللبنانيّة» مع «التيّار الوطنيّ الحرّ» من «معراب» واحتضنها واستكملها الرئيس سعد الحريري وبعض الأفرقاء اللبنانيّين على مضض، لم تكسر الانقسام العمودي بين خيار سيادة لبنان وعروبته، وخيار المشروع الصفوي الفارسي. ويأتي في هذا الاطار مشروع تعطيل تأليف الحكومة الذي يدفع الى التساؤل عما إذا كان خياراً داخلياً يقوده «التيّار الوطنيّ الحرّ» لمحاولة الانقلاب على «اتّفاق الطائف» بإيجاد أعراف تتنافى مع الدستور ومع صلاحيّات الرئيس المكلّف ومهمّاته بعيداً عن صيغة الغالب والمغلوب أو شبهة «حكومة حزب الله»؟ أم هو قرار إقليمي إيراني يُصاغ تحت طاولة ورقة «تفاهم مار مخايل» عام 2006 بين «حزب الله» و «التيّار الوطنيّ الحرّ» ببعده الاستراتيجي لخدمة المشروع الصفوي الفارسي لجعل لبنان ورقة على طاولة النزاعات أو المفاوضات الأميركيّة ـ الإيرانيّة.
فاللبنانيون لم تعد تعنيهم هذه التعبئة المذهبيّة والطائفيّة التي يقودها حلفاء النفوذ الإيراني لتحقيق مكسب بزيادة مقعد وزاري هنا، أو موقع نيابي هناك، فالبطالة ليس لها مذهب أو طائفة أو منطقة، والغلاء ليس له لون، وأقساط المدارس وأزمات المياه والكهرباء وخطورة النفايات وهجرة المستثمرين لا تخصّ منطقة دون أخرى.
فلبنان في حاجة الى رجال دولة يعملون في خدمة المواطنين، وهو حكماً لن يحتاج الى زعامات تريد الوطن وأهله في خدمتها وخدمة تحالفاتها الاقليميّة والدوليّة على حساب الوطن ومصالحه.
ألا يكفي 4 أشهر أو أكثر بقليل ليتنازل الجميع عن بعض مصالحهم لخدمة الوطن والمواطنين؟ ألم يشعر بعد العاملون على تعطيل تأليف الحكومة بآلام النّاس وصرخات أطفالهم بعد أن كادت أن تصل البطالة الى 40 في المئة، والعجز المالي المتزايد والّذي فاق قدرة هذا الوطن المعذّب وأبنائه الصّابرين على السرّاء والضرّاء؟ ومتى يستيقظ الضمير الوطني لدى المعرقلين ويرفع الصوت في مواجهة أيّ تدخّل خارجي والانتفاضة في مواجهة كلّ المشاريع الغريبة عن مصلحة لبنان وسيادته وحريّته واستقلاله وعروبته؟
المواطن يريد حكومة فاعلة، حكومة تخدم اللبنانيّين جميعاً وتعمل لأن يكون لبنان أوّلاً في كلّ مواقفها، وعندها حكماً سيقف التعطيل وستؤلّف الحكومة بوقت قصير، عندما يدرك الجميع بأنّهم للوطن وليسوا عبئاً عليه كما هي حال بعضهم.
هل يدرك من يعرقلون تأليف الحكومة أنّ لبنان لا يمكن أن يُبنى على مقاس أحلامهم ومصالحهم الشخصيّة؟ وهل يعلمون أنّ الكيديّة السياسيّة وتعطيل تأليف الحكومة وقبلها تعطيل انتخابات رئاسة الجمهوريّة لا يمكن أن يؤدّي الى بناء وطن محصّن من الأمراض المذهبيّة والطائفيّة؟
لبنان بلد تكتّلات طائفيّة ومذهبيّة، والقليل منها تكتّلات وطنيّة عابرة للطوائف والمناطق وفيه خطوط حمر لا يمكن اختراقها، فمن العبث التلاعب والتشاطر أو العمل على محاصرة هذا المكوّن أو ذاك، ولتكن الحكومة ورئيسها ووزراؤها هم وزراء الوطن لا وزراء طوائف، والرئيس رئيساً لجميع اللبنانييّن بلا تمييز وحينها يشعر الجميع بأنّنا نعيش لبناء مستقبل أفضل ، تمهيداً لبناء الدولة القويّة والعادلة بكلّ مؤسّساتها.