IMLebanon

معطّلو انتخاب رئيس للبنان هم المسؤولون عن تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب

صار واضحاً للقاصي والداني أن من تعمدوا تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية هم المسؤولون عن تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب، وهم الذين دسّوا في تظاهرة الاحتجاج على النفايات من حوّلوها إلى أعمال شغب تدعو ليس إلى إسقاط الحكومة فحسب، بل إلى إسقاط النظام… ولإدخال لبنان في الفراغ الشامل وفي فوضى المنطقة ليرتفع عندئذ ثمن حل إخراج لبنان منها.

أفلا يتساءل من يذهبون بلبنان إلى الهاوية أن جميع اللبنانيين، وهم منهم، يتضرّرون من كل ذلك ولا أحد سواهم، وأنهم يخطئون إذا تصوّروا أنهم يخدمون اللبنانيّين عندما يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية وعمل الحكومة وعمل المجلس، بل يخدمون خارجاً يضمر الشر للبنان بوضعه بين خيارين: السيئ والأسوأ، أي حكومة سيئة ورحيلها أسوأ في ظروف صعبة ودقيقة لا بديل منها سوى الفراغ الشامل.

لذلك على من يريدون “تشريع الضرورة” في مجلس النواب أن يجعلوا انتخاب الرئيس هو الضرورة التي لا ضرورة قبلها. وعلى من يريدون عقد جلسات مجلس الوزراء بشروطهم أن يجعلوا مصلحة الناس قبل مصالحهم. وما على الرئيس تمام سلام في هذه الحال سوى ان يقوم بواجبه الوطني إذا تخلى الآخرون عن القيام به، فيدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد ويضع جدول أعماله وفقاً لما نص عليه الدستور وليس وفقاً لأي تفسير خاطئ أو اجتهاد ليقرّ ما يهم الناس وليس ما يهم وزراء المصالح أو مصالح وزراء يعتمدون سياسة النكايات في حل مشكلة النفايات إذا أقفلت في وجوههم أبواب السمسرات، ويحمّل كل من يتغيّب عن الجلسة، خصوصاً تلك المخصصة للاهتمام بأولويات الناس، المسؤولية، وأن ينشر محضر كل جلسة كي يطلع الناس عل موقف كل وزير من المواضيع المطروحة علّ الشعب يحاسبهم يوم الانتخاب. وعلى الرئيس نبيه بري من جهته دعوة مجلس النواب لعقد جلسات يقر فيها المشاريع الحيوية والمهمة ولا سيما ما يتعلق منها بالأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ويحمّل كل من يتغيّب عنها المسؤولية سواء بذريعة أن لا تشريع في غياب رئيس الجمهورية، مع أنهم هم المسؤولون عن عدم انتخابه، أو بذريعة أنهم يريدون هذا المشروع لأنه ضروري وليس ذاك ليصبح الخلاف على تصنيف ما هو ضروري وما هو غير ضروري معطلاً عمل كل المؤسسات، وعندها يكون الفراغ الشامل الذي يسقط الجمهورية ويفتح الباب للبحث في إقامة جمهورية جديدة قد لا يبقى جمهور لها بفعل الهجرة الواسعة والهرب من الفقر والبؤس والتشرد. والأغرب من كل ذلك أن ثمة من يعتبر مجلس النواب غير شرعي لأنه ممدد له ويطلب منه في الوقت عينه انتخاب رئيس للجمهورية وإقرار مشاريع ضرورية قبل انتخاب الرئيس وهو أكثر ضرورة من أي مشروع.

الواقع أن لوضع جدول أعمال مجلس الوزراء نصاً واضحاً في الدستور، ولوضع جدول أعمال مجلس النواب نصاً في نظامه الداخلي، كما أن لفتح دورة استثنائية نصاً واضحاً أيضاً، فلا يحق إذاً لأحد أن يتلاعب بالدستور خدمة لمصالحه أو لأهوائه السياسية ويخضع كل ذلك لشروطه. فعلى الرئيس سلام إذاً تطبيق الدستور في جلسات مجلس الوزراء ولا سيما المادة 65 التي تنص على الثلثين للموافقة على مواضيع حددتها هذه المادة وعددها 14، وعلى النصف زائدا واحداً في المواضيع الأخرى عندما لا يحصل توافق. وعلى الرئيس بري ان يدعو مجلس النواب الى جلسة ولا يستجيب لرغبة المعطلين لغايات شتى لتكشف الجلسة حقيقة نيات من يحضرها ومن لا يحضرها. أفلا يكفي أن يتأتى ضرر من تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية حتى يضاف اليه ضرر تعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب خدمة لمن يضمرون شراً للبنان؟ فلا استقالة الحكومة ولا تعطيل جلسات مجلس النواب يؤديان الى انتخاب رئيس للجمهورية، بل يزيدان الضرر ضرراً. وإذا كانت استقالة الحكومة ممنوعة فإن تنشيط عملها غير ممنوع، وعلى الرئيس سلام ايضا ان يلقي المسؤولية على المعرقلين، ونذكّر هنا بحديث له أدلى به في حزيران الماضي وقال فيه: “أخشى على لبنان وكل شيء فيه، فالوعي والادراك المطلوبين من القوى السياسية كافة هو اليوم على المحك. وكما يعلم الجميع هناك صراع سياسي يصب في أسماء وأشخاص وفي أمكنة بعيدة عما أنا شخصياً أراه في هذه المرحلة من ضرورة ممارسة سياسة التوافق، فلا مجال اليوم للمناكفات والصراع السياسي ولا لتسجيل مكسب من فريق على آخر، بل المطلوب التمسك بالتوافق الذي جاء بالحكومة ويجب أن يأتي برئيس للجمهورية. فهذا التوافق في هذه المرحلة الصعبة هو السبيل والملجأ للخروج من الأزمة السياسية التي نتخبط فيها”.

فهل من يسمع وهل من مستجيب، خصوصاً بعدما حدد سلام في مؤتمره الصحافي الأخير موقفه بوضوح مما جرى وما قد يجري، وربط فقدان صبره بفقدان صبر الناس ونتائج جلسة مجلس الوزراء المقبلة.