شبهة «الاجتثاث» اللاحقة بجماعة فتح الله غولن في تركيا اليوم، تشبه واقعة «الاجتثاث» التي لاحقت البعثيين العراقيين غداة سقوط نظام صدام حسين. وذلك خبر ليس جيداً اليوم، مثلما لم يكن جيداً بالأمس. ولا يضير المنطق بشيء، افتراض ذلك الامر، وخصوصاً من قبل الذين يشاطرون عموم الاتراك فرحتهم بالتغلب على المحاولة الانقلابية القاصرة.
وقد لا يكون من الحصافة في شيء ان يجلس مراقب في بيروت أو القاهرة أو باريس ويعطي من وراء مكتبه «نصائح» للاتراك في كيفية ادارة شؤون بلدهم، ومداراة مشاكلهم، ومعالجة تداعيات الانتكاسة الانقلابية الراهنة.. لكن ذلك لا يعطّل كل دواعي العكس، حيث لا يمكن في المقابل، لبس ثياب التخفي أو الافتراض بأن ما يحصل «هناك»، في دولة محورية مركزية مجاورة مثل تركيا، أمرٌ لا يعني إلا أصحابه!
بين المعطيين المتطرفين، هناك وسط ذهبي. وهو الذي يفرض الإقرار بأن مصير الوضع التركي مؤثر في «مصائر» شعوب ودول كثيرة. بدءاً من سوريا وصولاً الى آخر جزيرة اوروبية.. أو روسية! وتحت هذا السقف، يمكن الانتباه الى أن ملاحقة المتورطين في المحاولة الانقلابية تأخذ منحى أبعد مدى يطال كل «المنتمين» الى مناخ الانقلابيين! والفارق شاسع وكبير! ويدل على تجاهل اخطار لا يستهان بها: لم يكن كل بعثي عراقي مسؤولاً عن ارتكابات نظام صدام حسين، ولم يكن منطقياً تحميل الجميع تداعيات انهيار ذلك النظام، أو اعتماد التماثل التام في العقاب! «العدالة» في هذا السياق صارت صنو الاستبداد! والعمل بأحكامها مثل تجاهلها تماماً! ولا يمكن تالياً التعامل مع «حالة» فتح الله غولن، بالطريقة نفسها! أول من يطلب ذلك هو فتح الله غولن نفسه! وأول من يبحث عن ذلك هم الانقلابيون الذين مثلوا حالة هجينة جمعت بين رواد المدرسة الكمالية التي تعتبر الجيش حامي النظام العلماني، وبين رواد «المدرّس» غولن الذي بنى كل حيثيته على المعطى الديني!
جمعت الطرفين معارضة الرئيس رجب طيب اردوغان وحكم «حزب العدالة والتنمية»، وذلك ما سهّل ويسهّل التسرّع في رد الفعل على ما حصل في الايام الماضية، وقدم ويقدم اغراءات شيطانية الهوى! من نوع اعتماد منطق الاجتثاث وآلياته غير العادلة التي ستترك من دون شك تأثيرات على الوضع (الاجتماعي والانساني أولاً وأساساً) ستكون سلبياتها اكثر من ايجابياتها!
ما ليس خافياً على أحد، هو ان «أعداء» المثال التركي، في الغرب أساساً سجلوا ويسجلون مفارقات غريبة في مقاربتهم ومواقفهم إزاء حكم الرئيس اردوغان وحزبه حتى منذ ما قبل المحاولة الانقلابية الفاشلة.. ومسألة لا تسرّ الخاطر على الاطلاق، أن تُقدّم اليهم اليوم «هدايا» مجانية تبرّر ذلك المنحى من خلال العمل الاجتثاثي المعتمد، والذي، بغض النظر عن رضى الآخرين أو غضبهم، لا يبدو مفيداً للاستقرار التركي الثمين والغالي.