IMLebanon

مساوئ السلطة تعطِّل أساليب الاصلاح السياسي

مساوئ السلطة تعطِّل أساليب الاصلاح السياسي

جمهورية غارقة في ثلاثية حوار سلبية

والصراع يدخل مراحل الفساد والفضائح

كان الأستاذ الكبير سعيد فريحه، يحرص على أن يجمع حوله أدباء وظرفاء، وأن يترك لكل منهم حريته في الاهتداء الى مواقع الدولة، غير عابئ بأي ملاحظة، سلبية أو هجينة.

ولذلك، فقد أعطى الأدباء، ولا سيما الكبار منهم، حرية ابداء الآراء، ولو كانت هجينة، وفي احدى الحقبات طلب من سعيد عقل نقداً لاذعاً، لكل ما تعتريه السلطة من أخطاء، وحث مارون عبود على النقد اللاذع لكل من لا يحفل بسواه من هنّات وأخطاء.

وذات يوم ضاق سعيد فريحه ذرعاً بمساوئ السلطة وأخطائها، عندما كانت الحاجة ماسة الى الاصلاح السياسي، ولا سيما في عصر الاستقلال، وبادر مارون عبود بسؤال واضح عن أسباب نقده الجارج، وعزوفه عن اعطاء البديل الايجابي للناس.

ويقال إن مارون عبود أوضح أن البلاد فيها تشريعات توضع على الرف وقوانين تحجب الخير ولا تظهر الفلاح والنجاح.

ويقال أيضاً إن سعيد فريحه طلب من مارون عبود مواقف واضحة المعالم، لا أن يكتفي بايراد الفضائح، لأن زميله سعيد عقل يعتمد نهج الاصلاح، ضد الأخطاء.

صمت مارون عبود برهة وقال للأستاذ الكبير سعيد فريحه، إننا في لبنان نغطي السماوات بالقبوات، ونفصّل القوانين على قدّ الأفراد والأنصار، وفي الوقت نفسه، نتوسل أساليب للتغطية أو للتعمية.

وأردف: ان كل دولة من دولنا، تنفق أكثر مما عندها من امكانات. ومنذ وُجدت الدولة اللبنانية، وحديث المشاريع الانشائية يملأ آذاننا والقلوب، والحياة لولا الأمل لا تطاق.

وكلما تبدل الحكم، وضع الشعب السلطة على مشرحة التاريخ. وكلما دنت الانتخابات قالوا لنا، في الميزانية المقبلة نفعل كذا، وكذا. في حين ان الجالسين على الكراسي يمعنون في زيادة المنافع، والغاية أن يفوز فلان بالنيابة لينتخب فلاناً للرئاسة، والغاية تبرر الواسطة.

ويتابع مارون عبود: في ذلك الزمان وضعوا مشروعاً، والبلاد على أبواب انتخابين: رئاسي ونيابي. واليوم نحن على أبواب انتخابين رئاسي ونيابي، ثمة أشياء لا نقبل بها، وأخرى نهلل لها. لكن يبقى للبنان كله مشروع للمياه، أو للكهرباء أو للطرقات ولا ينقصنا الا سلالم تصل الأرض بالسماء.

حقاً هناك أضحوكة، لأن المطلوب انجازات لا صعوبات والا، فلا طريقة تقودنا بسرعة الى معارك اصلاحية أو انتخابية.

ويستطرد مارون عبود: أنا أقول للسادة المرشحين، الجدد والقدامى، ما لكم وما لنا، اذهبوا الى من يفبركون النواب، والوزراء والاهتداء الى الفائزين بانتظاركم.

هذه الافكار راودت الآن بعض الناس، والبلاد غارقة في بحيرات انتخابات رئاسية ونيابية ووزارية، ذلك ان الاسبوع الفائت عرف ثلاثية اصلاحية رماها الرئيس نبيه بري في جلسات طويلة للحوار، وبرزت فكرة انشاء مجلس للشيوخ في البلاد، وطرح مبادئ مميزة للاصلاح الاداري، ونام الجميع على أمل الاهتداء الى حلول عملية في شهر أيلول المقبل، بعد مرور عامين وبضعة أشهر على الفراغ في رئاسة الجمهورية.

لا العماد ميشال عون، ومعه حليفه حزب الله، ينزلان الى المجلس النيابي، وليفز من يفوز بالرئاسة الأولى، العماد عون أو النائب سليمان فرنجيه، والاثنان ينتميان الى كتلة نيابية واحدة هي الثامن من آذار، ولا أحد منهما يتنازل للآخر، لأن القسم الأكبر من الجمهورية يحرص على الفوز لنفسه لا لحليفه. ذلك ان تيار المستقبل بزعامة الرئيس سعد الحريري لا يتخلى عن ترشيحه لزعيم تيار المردة وان حزب الله قسم منه مع العماد عون، فيما حليفه نبيه بري صامد في البحث عن توافق على مرشح من ٨ آذار. وفي الحقبة الأخيرة، اقترب نبيه بري من الرابية كلامياً، وصارح النائب فرنجيه، والجميع بأن لا امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يطلب منه الانكفاء عن الترشح ولا زعيم المستقبل في هذا الوارد.

ويعزز من ذلك عدم وجود نيات للعودة الى قانون الستين أو الى نظام الدوحة معدلاً. وعبد الرحيم مراد جاهز لأي تسوية على هذا الصعيد، وإن كان تفاهمه مع سعد الحريري هو الأقوى والأفعل.

ويقول مفكر سياسي قديم، إن الناس بدأوا يعبئون جيوشهم لمعركة نيابية حادة، وهذه المعركة لها ما بعدها، ذلك ان النواب ينتخبون رئيس البلاد، ومن يرشحون أنفسهم لهذا المنصب لا بد لهم من المرور بهذا المطهر، مطهر النيابة حتى يدخل النعيم السياسي، ويملك سعيداً تأييد الأجيال الطالعة، خصوصاً ان رؤوس الوزراء لا تسقط شعرة منها من دون ارادة أبيهم في المدى المنظور.

ومع ذلك فإن العماد عون كان منشغلاً طوال الأسابيع الماضية بانتخابات تمهد لمعظم أركانه للترشح للانتخابات النيابية المقبلة. في حين ان المطلوب صفقة سياسية ما تزال مجهولة، تقود الى تسوية ثلاثية، داخلية واقليمية ودولية، لاقتراح مرشح يكون عنوان التسوية الرئاسية المطلوبة، هل يكون العماد عون او النائب سليمان فرنجيه أو مرشحا ثالثا لا يزال بعيداً عن التظهير والظهور؟

والسؤال الصعب: هل سيصار الى انتخاب رئيس للجمهورية، قبل الانتخابات الأميركية، وهل يبقى لبنان بانتظار معرفة الفائز، وهل سيكون ترامب الجمهوري، أم هيلاري الديمقراطية؟

وهل يتحمل لبنان الانتظار، والبقاء من دون رئيس، وفي ظل حكومة تصارع للبقاء والرئيس تمام سلام يواجه أزمات نائمة مع رئيس البرلمان، وايضا مع تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري ورئاسة الكتلة النيابية المعقودة اللواء للرئيس فؤاد السنيورة، أم ان الانتخابات الرئاسية، ستقود الجميع الى رئاسة تقررها كتلة ٨ آذار، أو كتلة المستقبل.

ولا أحد في هذا الصدد يستبعد الأمل المعقود على وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، الذي يتمتع بتأييد واسع في الأوساط السياسية يؤهله للمركز الأول في السلطة، ولو ان الانتخابات البلدية الأخيرة، أفرزت زعامة مغمورة في طرابلس اسمها الوزير المستقيل اللواء أشرف ريفي، الذي يستعد الآن لمعركة زعامة على طول الوطن وعرضه في ظل زعامات طرابلسية أصابها الهزال من سعد الحريري الى نجيب ميقاتي، الى محمد الصفدي الى الكراميين فيصل عمر كرامي ومحمد كرامي وصولاً الى التجمعات الاسلامية المتباينة.

هنا، تكمن اللعبة، كما يقول العارفون بالأسرار، ولو ان الرئيس سعد الحريري باستطاعته أن يكون الرجل الحاسم على صعيد طرابلس وصيدا، وهما أكبر مدينتين على صعيد زعامة الطائفة السنية، والأكثر فاعلية لبلورة هذه القيادة في البقاع ولا سيما بعد المصالحة بين الرئيس سعد الحريري والقيادات التي عارضته في مرحلة سابقة.

هذه الأمور تتصاعد وتيرتها والبلاد مقبلة بعد عام، على انتخابات نيابية، في غياب أي قانون انتخابي جديد، ذلك ان معظم النواب مبلبلون، وضائعون بين النظام الأكثري، والنظام النسبي.

ويقول النائب باسم الشاب ان في لبنان بطانة تقول للحاكم قل كلمتك وامش ولا ترد على أحد.

ترى، من يفكّر بوطنه؟ انهم يقصدون الوصول الى الحكم، أما الشعب الذي يحكمون باسمه، فيبقى حيث هو، وعلى ما هو. وان قالت الأحزاب انها هي التي تفكر في مصير الدولة.

ثمة عقيدة قديمة تجسّد التفكير بالعقارات والمؤسسات والأديان.

ويقولون ان انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، لا بد للشعب من انتخابه، لأن الأمر موكول الى بضع عشرات من النواب، ينتخبون الرئيس غالباً في أجواء من المساومات والتطبيقات.

كانت المناصب تنتخب الرئيس حتى سنة ١٨٦٠، ثم صارت القرية تنتخب شيخ الصلح، وهذا الأخير ينتخب عضو الادارة، وممثل الشعب، ثم أضيف الى شيوخ الصلح مندوبون ينتخبهم الشعب ليختاروا النواب، ويومئذ أمسى الانتخاب على درجة واحدة ثم انتهى الأمر، فصارت المرأة تنتخب وأحبار هذه الطائفة مكفوفو الألسنة والأيدي، يحنون رقابهم للنير، ولم يقل أحد منهم شيئاً.

ومع هذه الحالة أصبح بشارة الخوري يسمّي لبنان بلد الاشعاع وبلد الكلمة.

وفي الأوساط العامة، من يدعو الى مصارعة الفساد ومعالجة اهتراء مواسم التفاح ويدعو الى انعاش الاصطياف.

ويرى الوزير رشيد درباس انه لا يزال أمام البلاد سنوات معدودة للوصول الى انتخابات من نوع جديد، ومن طراز حديث يمهّد للتجديد والتغيير، ويقترح وزير الشؤون الاجتماعية فتح باب الرئاسة على طول العمر، فيصبح لكل مواطن الحق في ان يرشح نفسه للرئاسة شريطة ان يكون الانتخاب الرئاسي على درجة واحدة، أي ان ينتخب كل لبناني ولبنانية الرئيس الأعلى.

هذا هو عملنا في لبنان، اذا لم يكن لنا إلمام في التغيير.

ان سياسة البلد، يجب ان يبقى موضوع الكهرباء المقطوعة باستمرار، والتفاح الفاسد باستمرار، والعجز عن فتح دورة استثنائية، وتبرئة الصالحين من أي تهمة تُنسب اليهم، ومحاكمة المجرمين، وتبديد المؤامرات حول كراسي الحكم، وتوظيف الفاسدين ممن هم عاطلون عن عمل أي شيء مفيد…!

هل يكون الحل بقانون انتخابي، أو بلا مركزية ادارية، ما دام العلم شعاراً يطير في الهواء، ويغط على الأرض في أيام البرودة.

وبعد، ماذا تنفع الزيادة، بل ما نفع الانتخاب، وانفاق أموال المكلّف اللبناني، في عصر هيمنة أصحاب النفوذ على المؤسسات.

لقد لفظت الاقطاعيات أمراء الطوائف والمشايخ، وفرّخت على كعبها اقطاعية دستورية. ليس لكل نائب حصة في الميزانية. ألاّ يتدخّل النائب في الكبائر والصغائر في منطقته.

وأخيراً يقول بعض السياسيين ان زيادة عدد الوزراء والنواب تكثير لعدد السمسرات في السلطة.

وهذا الموسم عسى أن يعوّض على اللبنانيين سقوط المواسم والامكانات الاقتصادية، وانسداد أبواب التصدير، ولا أحد يعرف ان كان لبنان واضح المصير والأهداف.