«…اللّائحة في التمثيل الأكثري قد تنجح بفارق صوت واحد ويمكن أن يكون صاحب هذا الصوت مجنوناً…»
كمال جنبلاط: – «كتاب مراقي الأمم»
وإنه من الجنون الدستوري إجراء الإنتخابات النيابية وفقاً لقانونين اثنين تذرُّعاً بأن الجنون ضربٌ من العبقرية على غرار ما يوصف به جبران خليل جبران إبن بشري، إلّا أن هذا النوع من الجنون ينطبق على أبواب الفلسفة وضروب الشعر وليس على نصوص الدساتير والقوانين الوضعيّة.
من المفيد التذكير بقرار المجلس الدستوري الرقم 69/4 تاريخ: 1996/8/7 الذي يؤكّد: «أنَّ قانون الإنتخاب يجب أن يكون واحداً لجميع المواطنين إنطلاقاً من مبدأ إعطاء كل صوت القيمة الإقتراعية عينها في مختلف الدوائر ومن خلال المساواة في تقسيم هذه الدوائر…»
وليس من مصلحة أيّ ثنائية أن تلجأ الى المقصّات لتفصيل ثوب إنتخابي لاصطياد الحصص وإقصاء سائر المناوئين أحزاباً ومستقلّين، فيما يخشى أن يتحول هذا الثوب الى قميص أحمر في الصراع على الرئاسة كمثل ما كان من قميص عثمان في الصراع على الخلافة بين الخلفاء الراشدين.
ثمة اعتقاد، بأنّ الإنتخابات النيابية هي المختبر المفصلي لتحديد معيار القوة في سباق الجلجلة على طريق قصر بعبدا، وأَنّ مَنْ يتفوَّق بمقعد نيابي واحد على الآخر يكرّس نفسه مرشحاً بالقوة للرئاسة.
إلّا أنَّ للمشاريع الإنتخابية الثنائية الدفع نحو الرئاسة محاذير عكسية أبرزها:
أولاً: إنتقال المعركة الرئاسية من وجه الى وجه ومن فارس الى فارس فيصبح القتال بالسلاح الأبيض.
ثانياً: ممارسة ما يعرف بالعزْل، أو بظلم ذوي القربى على يد ذوي القربى، فيكون يوم المظلوم على الظالم أشدَّ من يوم الظالم على المظلوم.
ثالثاً: الخشية من إجهاض طروحات الرئيس الموعودة وطموحات القصر على يد حاشية القصر، فيما الآمال المعقودة على رئاسة العماد عون تتوخى إنقاذ البلاد من هذا النير التاريخي المتوارث والرابض على أعناق اللبنانيين حتى الإختناق.
في مقابلة مع الرئيس ميشال عون لمسنا إصراراً على التغيير بما هو الأصلح لا على الترقيع بما هو الأقبح، وليس من باب التغيير والإصلاح قيام الحكم على ثنائيتين حصريتين: ثنائية مارونية وثنائية شيعية كأنما هو حاكم على شعبين.
وإنَّ الإنجاز التاريخي الذي يكلل به الجنرال مسؤوليته الوطنية، لا يقوم على الثنائيات المذهبية والثلاثيات، إلّا تلك التي تمثلت في الثورة الفرنسية حين تشكلت ثلاثية وطنية من أحزاب المؤتمر الوطني: الجيرونديين والجبليّين ونواب السهل، وعلى الرغم من فترات المجازر والإرهاب ومقصلة روبسبيير، فقد تمكنت الثورة الفرنسية بفضل هذه الأحزاب من أن تحقق أهدافها.
إذا كان التاريخ قد طرح على العهود السابقة سؤالاً: ماذا فعلتم بلبنان؟
فإن السؤال الأبرز الذي قد يطرح على العماد عون تحديداً، ماذا فعلت للبنان؟