Site icon IMLebanon

الخلل والإحباط في الشارع السنّي/٧ عودة سعودية للعمل على الأرض..

 

المراوحة المدمّرة لما يُسمى «العقدة السنيّة»، وما يُرافقها من ضغوط على الرئيس المكلف، وما يُصاحبها من مناورات على المسرح السياسي، تؤكد مرة أخرى محاولات شركاء في الوطن التعامل مع هذا الفريق بمنطق حسابات القوّة والضعف، واستغلال حالة الخلل الراهنة في المعادلة الداخلية، وتداعياتها السلبية على الشارع السنّي.

ليس من أصول الشراكة الوطنية بشيء، أن يحاول أي فريق فرض خياراته وتحالفاته على الآخر، فكيف إذا كان هذا «الآخر» هو على طرف نقيض في سياسته العامة مع هذه الخيارات!

مِن حق «حزب الله»، مثلاً، أن يدعم طلب حلفائه، النواب الستة، تمثيلهم في الحكومة العتيدة، ولكن بأي منطق المطلوب أن يتمّ التوزير من حصة رئيس تيار المستقبل الوزارية، تجاوزاً لكل المسافات الفلكية التي تفصل بين الطرفين في المواقف السياسية؟

لن نخوض في الانعكاسات السلبية على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية لسياسة الاستمرار في تعطيل تأليف الحكومة، فالتحذيرات اليومية من أصحاب الخبرة والاختصاص تُغني عن المزيد، رغم ما تثيره من سجالات عقيمة عند بعض السياسيين المكابرين.

ثمّة مَن يعتقد أن غياب الدور العربي الراعي للوضع اللبناني في الفترة الراهنة، فاقم حالة التفلت السياسي، التي تدفع بعض السياسيين إلى التعنت في مواقفهم، من دون الأخذ بعين الاعتبار الأحوال المتردية في البلد، والتي وصلت إلى الخط الأحمر، بعد تخفيض التصنيف الإئتماني للبنان من قبل المؤسسة العالمية «موديز» إلى حافة الدول العاجزة عن سداد ديونها.

وهنا يبرز السؤال: هل يستطيع الأشقاء في السعودية ومصر المساعدة في إصلاح الخلل الراهن في المعادلة الداخلية، وبالتالي معالجة أسباب هذا الإحباط في الشارع السنّي؟

لا أحد يستطيع أن يتنكر للأدوار الإيجابية التي لعبتها كل من السعودية ومصر في فترات سابقة، لمساعدة الشقيق الأصغر في تجاوز أزماته، والحفاظ على الحد الأدنى من توازناته في الفترات الحرجة.

ولكن من الواضح أن الأوضاع اليوم في المنطقة العربية هي غير ما كانت عليه في المراحل السابقة، وبالتالي اختلفت معها الأولويات بالنسبة للرياض والقاهرة، ولم يعد لبنان يحتل مركز الصدارة في الاهتمامات الراهنة، من دون أن يعني ذلك عدم الاكتراث العربي، وخاصة السعودي والمصري في الحفاظ على الاستقرار الحالي، رغم ما يعتريه من هشاشة وتعثر.

المملكة العربية السعودية لم تتأخر عن مساعدة لبنان، ولكن الهجمات المتتالية على قيادتها ورموزها الوطنية، أوجدت حالة من البرودة والعتب في العلاقات مع الأطراف الرسمية، التي لم تحرّك ساكناً إزاء ما كانت تتعرّض له المملكة من تهجمات وافتراءات.

ورغم المكانة الخاصة التي تحتلها السعودية عند اللبنانيين، وخاصة أهل السنّة والجماعة، كانت القيادات السعودية تحرص دائماً على أن تكون مساعداتها لكل اللبنانيين، من دون أي تمييز طائفي أو مذهبي أو مناطقي، وذلك من خلال الدولة اللبنانية وقنواتها الرسمية، تأكيداً لمواقفها التقليدية المعروفة بأنها على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، سواء المقيمين في بلدهم، أم العاملين في المملكة.

ولكن القيادات السنّية، وغالبية المؤسسات الخيرية، من تربوية واجتماعية وصحيّة، كانت تعتمد على دعم السعودية للقيام بمهماتها، وتغطية العجز المالي في ميزانياتها. وما التعثر المالي الذي تعاني منه معظم هذه المؤسسات والجمعيات منذ فترة، إلا نتيجة لتراجع الدعم السعودي لها، الأمر الذي زاد من مرارة المعاناة في الشارع السنّي.

غير أن الأوساط المعنية في المملكة ترى أن هذه المؤسسات تفتقد إلى مشروع رؤيوي، يساهم في إطلاق تيار الاستنهاض المنشود، على غرار ما كان حاصلاً في مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي تم إجهاضه بجريمة اغتياله الشنعاء.

ويمكن القول إن المملكة تجاوزت المرحلة الانتقالية التي أعقبت مرض ووفاة المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز، وانطلقت مسيرة التحديث والتطوير والتنمية بخطط طموحة، في إطار رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ٢٠٣٠. وفي ضوء ذلك فإن العودة السعودية إلى لبنان بدأت تباشيرها العملية بتعيين السفير فوق العادة وليد بخاري، وهو الذي عايش الوضع اللبناني بأدق تفاصيله، السياسية والاجتماعية والمناطقية، طوال السنتين الماضيتين، ويحظى بثقة الملك سلمان، ودعم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الأمر الذي من شأنه أن يُسرّع وضع خطط العمل المنتظرة في أسرع وقت ممكن، حيث من المتوقع أن تبدأ نتائجها في الظهور في العام المقبل، وهذا يعني أن الردّ على التهجمّات سيكون من خلال العمل مباشرة على الأرض، بعيداً عن أساليب الخطابات النارية، التي لا تُشبع ولا تُغني من جوع!

 

 

الأسبوع المقبل: كيف تساعد مصر في استنهاض أهل السنّة والجماعة؟