اتحد اللبنانيون في مواجهة أزمة النفايات الكارثية ولم يتحد المسؤولون والطبقة السياسية في معالجتها، وهذه الطبقة فشلت، ليس فقط في التوصل الى حل جذري للمشكلة، بل في تدارك الوضع الكارثي من خلال التوصل الى حل موقت قبل فوات الأوان، وهو انتهاء الحقبة الممددة لمطمر الناعمة!
وقد وصفها الرئيس تمام سلام بـ”الكارثة الوطنية” وهو على حق، والأخطر منها تداعياتها والفوضى العارمة التي ستنجم عنها في حال عدم معالجتها ورفع النفايات في أسرع وقت من شوارع العاصمة والضواحي، وقد بدأت “بشائر” تلك التداعيات تطل برأسها بأشكال مختلفة من خلال مجموعات مجهولة المنشأ والمصدر، تعيث في العاصمة فسادا، تارة بفلش النفايات وتعميمها وقطع الطرق، وتارة أخرى باحراقها واستجلاب خطر يفوق خطر تركها. كانت العاصمة بالامس ولا تزال في حاجة الى دوريات على مدار الساعة لفوج الاطفاء والدفاع المدني لاطفاء الحرائق المفتعلة التي بلغت تخوم البيوت وغرف النوم! وكانت العاصمة ولا تزال في حاجة الى دوريات أمنية تتعقب هؤلاء لمعرفة أهدافهم والجهات التي تقف وراءهم، ولم تكن هناك مشكلة لو كان هدفهم الاحتجاج على استمرار الازمة والضغط لمعالجتها، ولكن بدا واضحا من خلال تحركاتهم الاستعراضية انهم يعملون على نشر الفوضى وتفاقم الازمة من خلال فلش النفايات وقطع الطرق امام المتضررين من تلك الأزمة وضحاياها! ويدرك الجميع مخاطر تلك الظواهر وما يمكن ان يحصل في ظل الانفلات… وحسنا فعل الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله بتدخلهما مباشرة لمنع تلك التحركات المشبوهة، ورفع الغطاء عن كل من حاول التلطي وراء “حزب الله” أو حركة “أمل” بعدما قيل ان قسما من هؤلاء ينتمي الى انصار الحزب المعروفين بـ”سرايا المقاومة” وقد أبلغ الرئيس بري والسيد نصرالله الرئيس سلام، استياءهما مما حصل، وطالت الممارسات الشائنة محيط منزله والمعروف ان سلام منع ومنذ توليه رئاسة الحكومة اقفال أي طريق من أربع طرقات تحيط بمنزله من كل الجهات، ولم يحط نفسه بمربع أمني…
ونظرا الى خطورة هذه التحركات وكل تحرك مشبوه، فان الاجهزة الامنية على اختلافها معنية بمعرفة الجهة التي تقف وراء أعمال الشغب التي استهدفت العاصمة. هل من “طابور خامس” يستغل أزمة النفايات للنفاذ الى أهداف ومآرب أخرى؟
كارثة النفايات أصابت الحكومة بهزة عنيفة، ولا تنفع محاولات التملص والنأي بالنفس التي يقوم بها بعض الوزراء والتكتلات التي ينتمون اليها، وحتى بعض الموظفين الكبار المعنيين بالعاصمة ومحافظتها… لقد افتقدهم دافعو الضرائب في العاصمة، خلافا لمناسبات “وجاهة” حرصوا على الاطلالة من خلالها اعلاميا بشكل مكثف!
وأيا يكن الموقف من “آلية العمل في مجلس الوزراء” التي يتخذها المعارضون من داخل الحكومة عنوانا لتحرك من نوع آخر يقومون به، وهو يمتد من التعيينات الامنية، وصولا الى الاستحقاق الرئاسي… فان الآلية الاهم عند المواطن حاليا هي تلك المتعلقة بإزالة النفايات وأخطارها، تلك هي الاولوية ولا صوت يعلو فوق صوتها!
ولئن تكن أزمة النفايات الكارثية قد طغت على كل اهتمام منذ أكثر من اسبوع، فانها رسمت أكثر من علامة استفهام حول “قطبة مخفية” في مكان ما في السياسة أملت تلك الازمة؟ هل من يدفع في اتجاه اسقاط الحكومة وصولا الى الفوضى والانهيار التام لبدء البحث جديا في مشاريع يحكى عنها تحت عنوان “تعديل الدستور” تارة و”المؤتمر التأسيسي” تارة أخرى و”عقد جديد” وما شابه من شعارات تتردد بين فترة وأخرى؟
خصوم “حزب الله” في قوى 14 آذار يتهمونه بالوقوف وراء تلك الدعوات وصولا الى تغيير الدستور بهدف تكريس سيطرته بالامر الواقع و”تسييلها” نصا دستوريا، وبدت دعوة السيد نصرالله رئيس الحكومة الى عدم الاستقالة او التهديد بها، كرد على ذلك الاتهام، وإن يكن “هذا الموقف يمكن ايصاله بطريقة أخرى” وفق وزراء وسطيين يلفتون السيد نصرالله الى ان “التلويح” بالاستقالة أمر طبيعي وحق بديهي لرئيس الحكومة، مقترحين على الامين العام لـ”حزب الله” بدل التحذير من التهديد بالاستقالة او اعلانها “اقناع حلفائه بوقف عرقلة عمل الحكومة تحت شعار آلية العمل”، وملاحظين أن تأكيده الوقوف الى جانب حليفه العماد ميشال عون يتيح له أداء دور ايجابي في الحوار الذي يدعو اليه بين مكونات الحكومة ولا سيما “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” وفي عودة انتظام العمل في مجلس الوزراء!