لا تجد الهيئات الإسلامية السنية، على اختلاف توجهاتها، مبرراً للاستفزازات الطائفية والمذهبية المتكررة التي تترافق مع التحركات الشعبية لـ«التيار الوطني الحر»، والتي تساهم في تجييش الشارع السني ضد العماد ميشال عون.
وتعتبر هذه الهيئات أن ثمة اختراقات ضمن هذا التيار يسعى أصحابها الى ضرب علاقة عون بالطائفة السنية من خلال تصرفات غير مسؤولة تمثلت في التحرك الأول بالإساءة الى بعض الرموز الدينية، وفي التحرك الثاني بكتابة «الدولة الإسلامية.. إمارة لبنان» على علم «تيار المستقبل»، ونشر صور على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر ناشطين يدوسونه بأقدامهم.
واللافت أن كثيراً من الناشطين في «تيار المستقبل» سارعوا الى تعميم هذه الصور التي تثير المشاعر لدى شريحة واسعة من المسلمين على مواقعهم الالكترونية، وذلك بهدف الاستفادة منها، لا سيما على المستوى الشعبي، في محاولة للاستنهاض وتعويض جزء يسير مما خسره التيار الأزرق خلال الفترة الماضية، ولركوب موجة شعبية جديدة ضد العماد عون.
ويبدو واضحاً أن الممارسات العونية قد فعلت فعلها في استفزاز الشارع السني الذي بدأ يصب جام غضبه عليها، ويتهم «التيار الوطني الحر» بأنه يؤسس عبر هذه الاستفزازات لحرب أهلية، لكن ذلك لم يصب في مصلحة «تيار المستقبل» بالرغم من كل المحاولات التي بذلها على هذا الصعيد، خصوصاً أنه لم يعد خافياً على أحد أنه عندما اقتضت مصلحة «المستقبل» السياسية لم يتأخر في فتح ذراعيه للعماد عون الذي لبى دعوة الرئيس سعد الحريري إلى بيت الوسط مؤخرا، وأقام له الأخير احتفالا وقطع معه قالب الحلوى لمناسبة عيد ميلاده الثمانين.
ترفض هيئات إسلامية المنطق الذي يتحدث فيه العماد عون وممارسات تياره على الأرض، وتتهمه بأنه في كل تحرك يحاول استدراج المسلمين السنة الى إشكالات هم بغنى عنها، من خلال استفزازهم بالإساءة الى رموزهم الدينية واتهامهم بالإرهاب، معتبرة أن عون مسكون بالحرب ومستعد لإحراق البلد من أجل الوصول الى رئاسة الجمهورية.
ولم يسلم «تيار المستقبل» من انتقادات هذه الهيئات التي اعتبرت أنه يشكل مع «التيار الوطني الحر» وجهين لعملة واحدة، فالأول يستهدف السنة بمنحى طائفي بغيض، والثاني يستهدف السني لكي يستمر في الحكم وليؤكد سلوكه العلماني.
في حين ترى هيئات إسلامية أخرى، أن كثيراً من أبناء الطائفة السنية قد يجمعها مع عون المطالب التي يرفعها ويتحرك من أجلها، وفي مقدمتها الفراغ الرئاسي والتعيينات في المؤسسة العسكرية، والدين العام والفقر ومحاربة الفساد والهدر والسمسرات والصفقات.
وبرأي هذه الهيئات أن الجنرال لا يستطيع حتى الآن أن يحوِّل هذه المطالب الى قاسم مشترك يجمعه بشرائح سنية مختلفة، كونه يغلّفها دائماً بشــعار طائفــي، مؤكدة أن مطالبه ترخي بثقلها على المسلمين أكثر بكثير مما تطال المسيحيين.
وترى هذه الهيئات أن أي تغيير حقيقي في لبنان يجب أن يقوم على تحرك يشمل خريطة الوطن الروحية بكاملها، وذلك عبر المطالب والشعارات الوطنية التي تجمع، في حين أن الشعارات الطائفية تؤدي الى اصطفافات قد تدخلنا في النفق المظلم، لافتة الانتباه الى أن من حق العماد عون وتياره الخوف من «داعش» ومواجهته، لكنه لا يحق له ربطه بالإسلام والمسلمين والإساءة إليهم من خلاله، لأن خطر «داعش» على المسلمين على اختلاف مذاهبهم أكبر بكثير من خطره على المسيحيين.
وتؤكد هذه الهيئات أن ممارسات عون وتياره في الشارع تخدم خصومه، وتعبِّد الطريق أمام بعض التيارات السياسية والدينية لاستعادة هيمنتهم على الشارع السني، وهذا أمر يرفضه السنة بعد ما «لُدغوا من الجحر مرات عدة»، ناصحة عون بأن يعتمد الشعارات الوطنية وأن يسارع الى تنقية تيارة من المندسين الذين يسعون الى وضع كل السنة بمواجهته.