رحلة الموازنة لن تكون مزروعة بالورود في مجلس النواب
الكتل النيابية ستتسابق في إبراز محاسنها أمام الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود
لم يسبق لأي حكومة أقله منذ الطائف إلى يومنا هذا ان أخذت هذا الوقت الطويل وعقدت هذا الكم من الجلسات لإقرار الموازنة العامة، كما انه لم يسبق ان لقيت أي موازنة في لبنان الاهتمام المماثل للموازنة الحالية إن على المستوى الداخلي أو على المستوى الدولي وتحديداً على مستوى الأمم المتحدة التي سارعت على لسان ممثّل أمينها العام في بيروت إلى الترحيب بإقرار مجلس الوزراء الموازنة الذي رأى فيها انطلاقة لتنفيذ رزمة من الإصلاحات المطلوبة من لبنان قبل الولوج في تنفيذ مندرجات مؤتمر «سيدر» وإذا كانت الحكومة قد احتاجت إلى 20 جلسة ومنها ما امتد إلى ساعات الفجر لمناقشة بنود هذه الموازنة، فإن مجلس النواب أيضاً يحتاج إلى الوقت الكافي لمناقشة ما أحالت إليه الحكومة في ما خص مشروع الموازنة في لجنة المال أولاً قبل ان ترفعها بدورها إلى الهيئة العامة التي بدورها ستدرسها قبل التصديق عليها. ووفق توقعات رئيس مجلس النواب نبيه برّي فإن لجنة المال قد تحتاج شهراً في مناقشة هذه الموازنة وهو أمر طبيعي، حيث أن القوى الممثلة في هذه اللجنة وهي من مختلف الكتل النيابة سيكون لها ملاحظاتها وتعديلاتها وقد ظهر ذلك جلياً خلال الجلسة الأخيرة التي أُقرت فيها الموازنة في مجلس الوزراء حيث لم يخفِ أكثر من طرف تحفظه على بعض ما جاء فيها لكنه لم يعترض سبيل اقرارها حفاظاً على الاستقرار المالي والاقتصادي.
ما من شك ان رحلة الموازنة في البرلمان ستكون شاقة ومتعبة وهي لن تخرج منه بسهولة، إذ أن هناك فرقاء سياسيين أعدوا العدة لخوض غمار هذه المعركة تحت عنوان رفض المس بالطبقات الفقيرة وبذوي الدخل المحدود وكان للسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في خطابه الأخير إشارات واضحة على هذه المناخات، وهي ما يعني ان تعديلات كثيرة ستسقط حكماً على مشروع الحكومة قبل رفع النواب اياديهم عن التصويت إيذاناً بولادة الموازنة التي سيكون عمرها قصيراً ربما لا يتجاوز ستة أشهر. وفهم في هذا السياق ان كتلة «الجمهورية القوية» ستكون رأس حربة في مناقشة بعض النقاط والعمل على تعديل ما أمكن منها، وكذلك سيفعل نواب «حزب الله» وآخرون.
وبغض النظر عن الاعتراضات النيابية التي ستحصل على مسألة تخفيض العجز ورفض أي ضرائب ورسوم تمس الطبقات الفقيرة، فإن هناك معضلة أساسية ستواجه الموازنة ما لم تبرم حولها تسوية سياسية على جري العادة وهي تتعلق بقطع الحساب الذي لا يُمكن تجاوزه في الحالات العادية وفق ما نصت عليه المادة 87 من الدستور والتي تنص على الآتي: «إن حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب ان تعرض على مجلس النواب ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية التي تلي تلك السنة، وبالتالي يتم إرسال قطع حساب الموازنة إلى ديوان المحاسبة قبل 15 آب من السنة التي تلي سنة الموازنة المنوي اقرارها»، كل ذلك من الصعب تحقيقه من دون تسوية سياسية كون ان الموازنة وصلت إلى المجلس متأخرة حوالى ثمانية أشهر عن موعدها الدستوري، حيث من المفترض ان تقر في أواخر تشرين الأوّل الماضي.
وتؤكد مصادر سياسية في هذا المجال ان الترقيعات التي حصلت في الموازنة من قبل الحكومة لن تكون هي ذاتها تحت قبة البرلمان وبالتالي فإن النقاش سيأخذ مداه ولن يكون تحت الضغط على غرار ما حصل في الحكومة حيث تصرف البعض وكأن البلد سينزلق إلى الانهيار ما لم تبادر الحكومة إلى إقرار الموازنة التي يعتبرونها حجر أساس للانطلاق باتجاه تحقيق الإصلاحات المطلوبة التي ستعبد الطريق امام تنفيذ ما تضمنه مؤتمر «سيدر» من أموال للبنان.
وفي رأي المصادر ان رحلة الموازنة في المجلس النيابي لن تكون مزروعة بالورد والياسمين لا بل ان هذه الطريق ستكون متعبة لأن المجلس لن يكون شريكاً في اغراق البلد في المزيد من الديون والتردي الاقتصادي والمالي كرمى لعيون أي جهة، لا بل انه سيتعامل مع هذه الموازنة وفق ما تمليه مصلحة البلاد، والعباد، إذ ما ينفعنا تشييد الجسور وتحسين البنى التحتية وما شابه والبطالة والفقر والحاجة إلى ازدياد.
وفي تقدير هذه المصادر انه مهما حصل من عمليات تجميل إن على مستوى الموازنة أو في ما يخص الأوضاع العامة فإن كل ذلك لن يحقق المطلوب لتجنب الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يتطلب أولاً وآخراً وضع حدٍ للهدر الذي لم يعد يحتمل، وللفساد الذي نخر الإدارات حتى العظم.