مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، الذي أقرته اللجان النيابية المشتركة أخيراً، ترك ردود فعل متناقضة في أوساط الأساتذة والمعلمين والموظفين على اختلاف فئاتهم ومواقعهم. عشية الجلسة التشريعية غداً الأربعاء، التي ستواكبها الإضرابات والاعتصامات، طفت على السطح الهموم الخاصة «الفئوية» لموظفي كل قطاع، والتي لم تجعل من موظفي القطاع الآخر الخصم الأول فحسب، بل ظهر المتخاصمون في القطاع نفسه أيضاً
عشية مناقشة مشروع سلسلة الرتب والرواتب في الهيئة العامة للمجلس النيابي غداً الأربعاء، يغرق الأساتذة والمعلمون والموظفون في انقسامات أفقية وعمودية قطعت الطريق على أي تحرك مشترك للدفاع عن حقوقهم.
فالصيغة التي خرجت بها اللجان النيابية المشتركة، والقائمة على التمييز واللامساواة في التشريع، أو ما سماه أصحاب الحقوق في السلسلة «مراهقة تشريعية واستعجال في سلق النصوص»، أظهرت بوضوح التناقضات الداخلية وتضارب المصالح بين القطاعات الوظيفية المشمولة بالمشروع. ليس هذا فحسب، فقد نجحت السلطة السياسية في تجزئة الموظفين إلى فئات داخل كل قطاع وظيفي، وبات لكل فئة منها مطالبها الخاصة، ما عزز مناخ عدم الثقة بين الفئة والأخرى. يحصل كل ذلك في ظل غياب التصنيف الوظيفي المعتمد منذ أكثر من نصف قرن.
الثانويون: الموقع الوظيفي أولاً
أساتذة التعليم الثانوي الرسمي (الفئة الثالثة) ينفذون إضراباً مفتوحاً في الثانويات الرسمية ودور المعلمين منذ 10 الجاري، ويعتصمون تزامناً مع انعقاد الجلسة التشريعية، احتجاجاً على السلسلة التي تضرب موقعهم الوظيفي المتمثل بفارق 6 درجات عن أستاذ الجامعة اللبنانية، و10 درجات عن المدرس في التعليم الأساسي الرسمي و60% عن موظف الإدارة العامة. واعتراضاً على اعطائهم نسبة زيادة هزيلة و3 درجات استثنائية فقط، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحملة (# بدي حقي).
وتحت عنوان «رفض التشويش على القضية الكبيرة»، يفتقد 2174 أستاذاً ثانوياً نجحوا في مجلس الخدمة المدنية احتضان رابطة الأساتذة الثانويين ويغرّدون وحدهم دفاعاً عن مطلبهم: إصدار مرسوم الالتحاق بكلية التربية للخضوع لسنة كفاءة، والذي يترتب عليه الإلحاق بالثانويات بصفة موظفين لديهم راتب ثابت. بالمناسبة، هؤلاء لم يقبضوا مستحقاتهم الحالية كمتعاقدين، أسوة بغيرهم من المتعاقدين، بحجة أنهم ناجحون!
في القطاع، فئة ثالثة تسمى ناجحين ــ فائضين في مباراتي 2008 و2016 في مجلس الخدمة. هؤلاء وعددهم نحو 2000 أستاذ لا يزالون متعاقدين، وقد صدر قانون تعيينهم في الملاك في كانون الثاني الماضي، إلا أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لم يوقعه وردّه إلى المجلس النيابي.
وهناك فئة المتعاقدين الذين تجاوزوا السن القانونية للمباراة أي 44 عاماً ويطالبون بالتثبيت في الملاك من دون الخضوع لأي اختبار، وهم أمضوا عشرات السنوات في التعاقد، وهناك أيضاً فئة المستعان بهم وهؤلاء ليس لديهم عقود رسمية ويقبضون من صناديق الثانويات أو من الدول المانحة.
مدرسو التعليم الأساسي: خذ وطالب
نال مدرسو التعليم الأساسي الرسمي (الفئة الرابعة) الموجودون في الملاك قبل 1/1/2010، 6 درجات استثنائية، إضافة إلى نسبة الزيادة في السلسلة، وهي زيادة اعتبرتها الرابطة مقبولة نقابياً على قاعدة «خذ وطالب»، ما جعلها تتريث في إعلان أي تحرك قبل الجلسة التشريعية.
رفض أساتذة التعليم الثانوي التشويش على الموقع الوظيفي
لكن ما حصل لجهة استثناء المدرسين المعينين في عام 2010 و2013 من أي درجة استثنائية، بحجة أنهم «أخذوا حقهم وزيادة» حين عينوا عند الدرجة 15، وضع الرابطة أمام أمر واقع جعلها تكتفي بالإضراب ليوم واحد فقط غداً الأربعاء، على أن توجه رسالة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري (حارس التشريع كما جاء في البيان) تشرح فيه الظلامة اللاحقة ببعض فئات المدرسين. في المقابل، أعلن المدرسون الإضراب ليومين، اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء. تحرك الرابطة لم يلغ أزمة الثقة بينها وبين هؤلاء المدرسين، هم يشيعون أن الرابطة تريد تحصيل الدرجات الست بأي ثمن ومن بعد ذلك لكل حادث حديث، مسجلين عتبهم على تأخرها في تبني مطالبهم والدفاع عن مكتسباتهم وتلكؤها في رفع الغبن. بالمناسبة، هؤلاء هم أيضاً منقسمون إلى فئات: حاملو البكالوريا يعينون عند الدرجة 1، حاملو الإجازة الجامعية يعينون عند الدرجة 6، حاملو الإجازة الفنية يعينون عند الدرجة 11، وحاملو الإجازة التعليمية الذين باتوا يعينون عند الدرجة 15 بموجب القانون 223، وثمة تخوف من أن يعود هؤلاء إلى الدرجة 9 بحسب المادة 32 في مشروع السلسلة الجديدة، بحيث سيعاد تكوين وضعهم المادي.
وهنا أيضاً آلاف المتعاقدين الذين أمضوا ما يزيد على 20 سنة في التعاقد ويطالبون بتعيينهم أجراء، وهناك متعاقدون رسميون ومستعان بهم جدد لا عقود رسمية معهم يطالبون بتثبيتهم عبر المباراة.
أساتذة «المهني»: اضراب حتى الغد
أساتذة الفئة الثالثة والفئة الرابعة في التعليم المهني والتقني بدأوا إضراباً في المعاهد والمدارس المهنية منذ 7 الجاري، وهو مستمر حتى مساء غد الأربعاء، بحسب ما أعلنت رابطتهم، التي تعقد اجتماعاً لاتخاذ الموقف المناسب في ضوء الجلسة التشريعية. وأعلنت الرابطة المشاركة في اعتصام رياض الصلح الأربعاء.
يذكر أن 95% من الجسم التعليمي المهني هم متعاقدون ولا تلحقهم زيادة عبر السلسلة، إنما غلاء معيشة فقط.
نقابة المعلمين: ترقب الجلسة
شعار «خذ وطالب» تتبناه أيضاً نقابة المعلمين، وهي ليست في وارد تنفيذ أي تحرك قبل معرفة مصير السلسلة في الجلسة التشريعية. المهم أن المشروع أقر وحدة التشريع وأعطى المتعاقدين نسبة مئوية محسوبة على أساس عدد حصص عملهم الأسبوعية من الزيادة التي لحقت الداخلين في الملاك.
موظفو الإدارة العامة: نرفض زيادة الدوام
نال موظفو الإدارة العامة نسبة الزيادة الأعلى بين القطاعات الوظيفية الأخرى، والتي تراوح بين 84% و168%، بحسب الفئات الوظيفية. وهم بالتالي ليسوا في وارد أي تحرك احتجاجي، بل يترقبون إقرار سلسلة الرتب والرواتب في أسرع وقت وإن كانوا يعترضون على «الإصلاحات»، ولا سيما زيادة الدوام، لما له، كما قالوا، من أثر سلبي وترتيب أعمال إضافية على الموظف. لكن في الإدارة العامة، ثمة مستخدمون ومتعاقدون وأجراء دائمون ومؤقتون وأجراء بالفاتورة لم ينالوا أكثر من غلاء معيشة.
المتقاعدون: تمييز ولامساواة
عقد المتقاعدون الإداريون والعسكريون والدبلوماسيون والمعلمون مؤتمراً صحافياً رفضوا فيه مشروع اللجان النيابية المشتركة، على خلفية أنه لا يحرمهم من مبدأ المساواة مع المتقاعدين القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية فحسب، بل أيضاً يحرمهم من الاستفادة مما دفعوه سلفاً كأمانة في صندوق الخزينة تحت بند المحسومات التقاعدية التي تبلغ 6% من راتب كل شهر، فضلاً عما يحوّل من حسومات على كل زيادة أو درجة على الراتب.
تحدث عصام بكداش، رئيس رابطة قدامى موظفي الدولة، عن مهزلة تشريعية تقوم على مخالفة مبدأ المساواة بين المتقاعد القديم والمتقاعد الجديد في ظل أي سلسلة رتب ورواتب، والتمييز بموضوع احتساب المعاشات التقاعدية بين أسلاك الدولة، لافتاً إلى الفارق الكبير في المعاش التقاعدي للموظف العامل حالياً ويتقاعد قبل يوم واحد من تاريخ صدور قانون السلسلة الجديد، وبين الموظف الآخر الذي يتقاعد أيضاً بعد يوم واحد من هذا التاريخ.
أما عضو هيئة التنسيق النقابية محمد قاسم فشرح لـ«الأخبار» أنّ المعاش التقاعدي هو حق مكتسب للموظف لأنه تراكم لمحسومات وتعويضات خدمة اقتطعت من الرواتب ليستفيد منها في آخر سني عمره، بما يكفل أن يكون المعاش التقاعدي مضاعفاً في حال توظيف الأموال في صندوق مستقل للتقاعد، والذي صدرت بشأنه 5 مراسيم اشتراعية أولها في 1938 وآخرها في عام 1983 ولم ينفذ حتى تاريخه. المفارقة التي يتحدث عنها قاسم أن الأموال المقتطعة تذهب إلى خزينة الدولة وتتصرف بها وزارة المال كما تشاء وكأنها ملك لها وليس لأصحابها، ثم تبحث عند إقرار المعاش التقاعدي عن تغطية لهذه الرواتب بعد بعثرة الأموال في مشاريع ليس لها علاقة بالمعاشات التقاعدية. وفي دراسة أعدها قاسم، يتبين أن الزيادة المقترحة للمتقاعدين هي 20% لمن يتقاضى معاشاً يصل إلى مليون ليرة، ترتفع إلى 40% في حال احتساب الـ 200 ألف ليرة الواردة في البند الأول من المادة 18 الخاصة بالمتقاعدين من أصل راتب التقاعد، و17% لمن يتقاضى معاشاً تقاعدياً يصل إلى مليون و350 ألف ليرة قد ترتفع إلى 32%، و14% لمن يتقاضى معاشاً تقاعدياً يصل إلى مليوني ليرة قد ترتفع إلى 24%، و12.5% لمن يتقاضى معاشاً تقاعدياً يصل إلى مليونين و700 ألف ليرة ترتفع إلى 19.7%. وبينما وجد بعض المتقاعدين، ولا سيما من الإدارات العامة والسلك العسكري والدبلوماسي، أن قنوات الاحتجاج من إضراب وغيرها متعذرة، اقترح بعض المجتمعين، ولا سيما المعلمين المتقاعدين، الاعتصام أمام منزل رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتراضاً على المشروع.