مع اقتراب موعد إحالة مدّعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات إلى التقاعد في شباط المقبل، بدأ درس المخارج القانونيّة للحؤول دون الشغور في أعلى منصب قانوني في حال رفضت حكومة تصريف الأعمال تعيين قاضٍ أصيل
فيما ينشغل السياسيون بمسألة الشغور في قيادة الجيش الشهر المقبل، فإنّ همّ الأوساط القضائية في مكانٍ آخر، في محاولة لاجتراح حلول بعد إحالة مدّعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات إلى التقاعد في 21 شباط المقبل. علماً أنّ هناك من يرى أن المسألتين مرتبطتان بمكانٍ واحد: مجلس الوزراء. فإذا وسّعت الحكومة مفهوم حدودها لتصريف الأعمال ومدّدت لقائد الجيش العماد جوزيف عون أو عيّنت بديلاً منه، فإنّها بذلك تكون قد فتحت الباب واسعاً أمام عمليّات لجم الشغور المتتالي في المراكز الأمنية والقضائيّة.ويستند الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري وتاريخ الفكر السياسي وسام اللحام في ورقةٍ بحثيّة نشرتها «المفكّرة القانونية» تحت عنوان «تصريف الأعمال: من الموجب الدستوري إلى الاعتباطيّة السياسيّة» على قرارٍ لمجلس شورى الدولة (الرقم 349) صادر في شباط 2015، وينص على أنّ «نظرية تصريف الأعمال مُعَدّة للتطبيق خلال فترة انتقالية محدَّدة يجب أن لا تتعدّى الأسابيع أو حتى الأيام. وإنّ تمدُّدها لفترة أطول لا بد أن ينعكس على مفهومها برمّته ليستطيع تحقيق الهدف منها وهو تأمين استمرارية الدولة ومصالحها العامة ومصالح المواطنين. وهذه الفترة الانتقالية عندما تمتد لعدة أشهر، يصبح من الواجب التعامل مع هذا الواقع بشكل يسمح للحكومة بتأمين استمرارية المرافق العامة وتأمين مصالح المواطنين التي لا يمكن أن تنتظر لمدة أطول، خاصة إذا كانت مستوفية لكلّ الشروط المفروضة في القوانين والأنظمة، وهي تؤمّن مصالح فردية مشروعة دون أن يكون لها الطابع التنظيمي العام، أو تحدّ من حقّ الحكومة المقبلة في ممارسة صلاحياتها الاستنسابية».
واستناداً إلى هذا الاجتهاد، يشير اللحام إلى أنّ «تصريف الأعمال لفترة طويلة يؤدّي إلى إيجاد وضع قانوني يختلف بمفاعيله عن اقتصار تصريف الأعمال على مهلة زمنية بسيطة، كون القرارات التي سيكون على الحكومة المستقيلة اتخاذها ستزداد مع الوقت، وستصبح أكثر إلحاحاً مع تفاقم المشكلات التي يجب على الدولة مواجهتها، ولا سيما عندما يمرّ المجتمع بأزمات اجتماعية واقتصادية خانقة». وعليه، يتيح هذا الرأي القانوني لحكومة تصريف الأعمال تعيين قاضٍ أصيل كنائب عامٍّ تمييزي، بعد أن يُفاتح وزير العدل الحكومة بأمر الشغور ويقترح اسماً للتعيين، من دون أن يعني أن يكون هذا الاقتراح ملزماً للحكومة.
دكروب الأعلى درجة
في المقابل، لم تجد الحكومة بعد حسماً لهذا الجدل، إذ يُشدّد مقرّبون من رئيسها نجيب ميقاتي على أنّ «من المبكر الخوض في هذا الحديث»، نافين أن يكون قد تم التطرّق إلى إمكانيّة عقد جلسة لتعيين مدّعٍ عام أصيل. وهذا يعني أنّ الحكومة تُحاول إبعاد هذه الكأس طالما أنّ المعنيين القانونيين يُحاولون إيجاد مخارج تُعفيها من هذه المهمّة.
أبرز هذه المخارج، هو الاحتكام إلى المرسوم الاشتراعي لتنظيم القضاء العدلي الصادر في عام 1983، والذي يُؤكد صراحةً أنّ القاضي المنُتدب في حال شغور مركز النيابة العامّة التمييزيّة هو الأعلى درجة من بين المحامين العامين التمييزيين، وهم من العاملين في دائرة النيابة العامّة التمييزيّة. وفي هذه الحالة، تحلّ القاضية ندى دكروب حكماً مكان عويدات وليس ما يتم تسويقه بأنّ النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم هو الأعلى درجة، بغضّ النظر عمّا يتم تداوله بأنّ دكروب ترفض هذه المهمّة.
هذا ما يحسمه المدّعي العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي، لافتاً إلى أنّ هذا الطرح هو الوحيد القانوني في حال امتنعت الحكومة عن تعيين قاضٍ أصيل، باعتبار أنّ القانون أقوى من رئيس الجمهورية والحكومة ووزير العدل، وبالتالي يجب الاحتكام إلى مواده، شارحاً أنّ المحامي العام الأعلى درجة لا يحتاج إلى إذنٍ أو تكليفٍ، بل عليه أن يُمارس مهامه بالإنابة فور شغور المنصب مُباشرةً. وعن إمكانية تولي إبراهيم المنصب، يعود ماضي إلى مرسوم تنظيم القضاء العدلي للإشارة إلى أنّ النيابة العامة المالية هي وحدة تابعة للنيابة العامة التمييزية أسوةً بالنيابة العامة العسكريّة والنيابة العامّة الاستئنافية، وبالتالي لا يُعد إبراهيم من المحامين العامين التمييزيين الذين تنطبق عليهم الشروط للحلول مكان عويدات.
ويؤكّد ماضي أنّ تولّي المراكز القضائية بالإنابة لا يُراعي التوازنات الطائفيّة وإن قام المسؤولون سابقاً بتعيين محامٍ عام سني أعلى درجة ليقوم بالمهام بالإنابة في حال الشغور كما حصل عندما تولّى القاضي سمير حمود مهام المدّعي العام التمييزي بالوكالة مرتين: الأولى إثر إحالة القاضي سعيد ميرزا على التقاعد، والثانية لفترةٍ وجيزة إثر إحالة ماضي على التقاعد. مع ذلك، يُشير ماضي إلى أنّ هذا الأمر ليس قاعدة، ويعود بالذاكرة إلى بداية عام 2011 حينما شغل منصب النائب الأول لمحكمة التمييز إثر تقاعد القاضي غالب غانم وممارسة كلّ المهمات الموكلة إليه رغم اختلاف الطوائف بينهما، باستثناء مهمّة رئاسة مجلس القضاء الأعلى باعتبارها تحتاج إلى مرسومٍ حكومي.
انتداب من عويدات أو عبود؟
في المقابل، يدور حديث في قصر العدل عن إمكان أن يأخذ عويدات «بصدره» هذه المسألة عبر انقطاعه عن العمل في أيام عهده الأخيرة مكلّفاً محامياً عاماً تمييزياً بالحلول مكانه (الأرجح أن يكون القاضي غسّان خوري)، فيبقى هذا التوكيل ساري المفعول حتّى بعد إحالته على التقاعد. ويتّكئ هذا السيناريو على سابقة قام بها المدّعي العام التمييزي السابق عدنان عضوم عندما انتدب القاضية ربيعة عمّاش قدورة للقيام بمهامه بعد تعيينه وزيراً للعدل في حكومة الرئيس عمر كرامي في تشرين الأول 2004. إلا أن هذه السابقة، في رأي العديد من القانونيين المتخصّصين، «غير قانونيّة لأن التكليف مبني على كوْن عويدات نائباً عاماً تمييزياً، وإحالته على التقاعد تحوّل هذا التكليف إلى مُلغى». وهو أيضاً ما يؤكّده ماضي الذي يعتبر أنّ «السابقة إن كانت خطأ لا تُعد سابقة قانونية يُمكن الاستناد إليها وتكرارها، إذ لا صلاحية للمدعي العام التمييزي بتكليف من ينوب عنه»، مشيراً إلى أنّ «القانون واضح في هذا الإطار».
ضغوط دار الفتوى قد تدفع عبود الى تدخل غير قانوني لتعيين قاض سني
كما يجري تداول سيناريو آخر يقوم على اختيار رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود، بصفته الرئيس الأول لمحكمة التمييز، قاضياً سنياً يحل مكان عويدات، والأرجح أن يكون رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، علماً أنّ هناك اسمين آخرين على قائمة البحث وإن بحظوظ أقل، هما: رئيس الهيئة الاتهامية في جبل لبنان القاضي ربيع الحُسامي ورئيس إحدى غرف محكمة التمييز القاضي أيمن عويدات. وبحسب بعض المتابعين، فإنّ تدخّل عبود سيكون ناتجاً عن مطالبات عدد من المرجعيات السنيّة وما يتردّد عن دخول دار الفتوى على خط الضغط لعدم تعيين قاضٍ غير سني في هذا المنصب. علماً أن معظم القانونيين يؤكدون عدم قانونية مثل هذا السيناريو، استناداً إلى مرسوم تنظيم القضاء العدلي الذي لا يتيح لرئيس محكمة التمييز أن يتدخّل في النيابة العامّة التمييزية حتّى ينتدب من ينوب عن عويدات بالوكالة.