IMLebanon

ترتيب وضع المنطقة فرض نفسه قبل تسلّم ترامب فهل يدوم؟

 

التدويل المُقنّع من وقف إطلاق النار إلى انتخابات الرئاسة

 

لم يكن الدفع الأميركي والفرنسي والعربي أيضاً نحو التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، والذي أتى مباشرة بعد الاتفاق الأميركي – الفرنسي والمغطّى عربياً ودولياً من منظمة الأمم المتحدة، من باب الصدفة أو التزامن المنطقي والزمني للأمور الساخنة والمعلّقة في لبنان والمنطقة، عدا عن عودة الحديث مجدداً حول ترتيب اتفاق في غزة لوقف اطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة «حماس» والكيان الإسرايلي، وعودة دولة قطر الى لعب دور الوسيط بعدما علقت وساطتها نحو شهر. ذلك ان إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن أرادت تحقيق إنجاز ما قبل رحيلها الشهر المقبل، والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أراد «تصفير المشاكل والحروب» في منطقة الشرق الأوسط للتفرغ لملفات أكثر أهمية بالنسبة له، أبرزها الحرب الروسية – الأوكرانية والتعامل الجديد مع الملف النووي الإيراني، و«الحرب الكبرى» الاقتصادية بين أميركا والصين.

لذلك تم تسريع وضع مسودات اتفاقات وقف إطلاق النار في لبنان ومن ثم غزة ووضع آليات التنفيذ لاحقاً، برغم ان هذه الاتفاقات مؤقتة ولن تكون مستدامة من دون حل نهائي لوقف الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية في لبنان وغزة، عبر حلول تثمر اتفاقات دائمة قائمة على منح الحقوق لأصحابها، وهو أمر أكثر من صعب إن لم يكن مستحيلاً في الوقت الحاضر نتيجة السياسة الصهيونية القائمة على الحرب والتوسّع ورفض السلام وبخاصة مع الفلسطينيين، بخاصة انه سبق وأن أعلن رئيس الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيرا حربه السابق يوآف غالانت والحالي يسرائيل كاتس «ان إسرائيل لن تسمح بإقامة دولة ارهابية على حدودها»، في إشارة واضحة لرفض الكلام عن حل الدولتين بما يكفل إقامة دولة فلسطينية مستقلة. عدا عن رفضهم المطلق لوجود مقاومة مسلحة في جنوب لبنان نجحت سنوات طويلة في إقامة «توازن الردع والرعب».

 

ويبدو ان ملفات لبنان وغزة العسكرية والسياسية باتت في حضن الدول الكبرى والإقليمية والغربية المعنية بوضع المنطقة، كفرنسا وألمانيا وبريطانيا، التي باتت تستعجل الحلول للأزمات القائمة كلٌّ لحساباتها الخاصة، ومنها بعد وقف إطلاق النار حل أزمة رئاسة الجمهورية في لبنان وأزمة إدارة قطاع غزة. وهذه الوقائع تشير الى ان أزمات الشرق الأوسط لا سيما أزمتي لبنان وفلسطين المحتلة باتت عمليا محكومة بـ «التدويل المُقنّع» حالياً، ولا شيء يمنع من إعلان التدويل رسمياً وشرعياً لاحقاً إذا فشلت محاولات الحلول سوى أمرين: الأول «شعار» هذه الدول القائل بعدم التدخّل في شؤون لبنان الداخلية وفرض رئيس على القوى اللبنانية المحلية، والثاني وجود قوى إقليمية ومحلية ترفض التدخّل الدولي الفاضح في إعادة بناء الحياة السياسية للبنان وغزة، ومحاولة فرض الحلول الغربية التي طالما كانت وستبقى قائمة على مراعاة مصالح وأمن واستقرار وازدهار الكيان الإسرائيلي على حساب مصالح كل العرب وليس مصالح شعبي لبنان وفلسطين فقط.

 

ولا يُخفى ان ثمة دول عربية تؤيّد المسعى الأميركي – الغربي لإنهاء أزمتي لبنان وفلسطين وتشارك فيه، وهو الأمر الذي يُفسّر موافقة لبنان وحماس على العروض التي قدمت من الأطراف العربية والغربية لوقف إطلاق النار ودخول مفاوضات ترتيب الأوضاع لدى الجانبين. وهو مقدمة مهمة لترتيب أوضاع منطقة الشرق الأوسط «على البارد» وبالحوارات والاتفاقات وليس «على الحامي» كما قال نتنياهو. ذلك ان فرض اتفاق من الطرف الذي يظن نفسه الأقوى على الطرف الذي يراه الأضعف، حل غير مستدام ويستبطن مفاعيل التفجير من داخله، خاصة إذا لم يكن متوازناً ويُعطي الحقوق لأصحابها.

وترتيب أوضاع المنطقة هو مدخل الرئيس ترامب الى البيت الأبيض وفي صلب برنامجه الرئاسي الخارجي عدا برنامجه الداخلي، وإذا كان الاتفاق الجانبي الثنائي بين إدارتي بايدن وترامب والكيان الإسرائيلي قد منح الحق لإسرائيل في تجاوز اتفاق وقف إطلاق النار وخرقه الى درجة انه أصبح كأنه لم يكن، فقد ثبت في رد المقاومة الصاروخي التحذيري ان مثل هذه الاتفاقات الصغيرة لا يمكن أن تمرّ بسهولة فكيف بالاتفاقات الأكبر والأشمل التي تنتقص من حقوق الشعوب وسيادة أوطانها، والتي تعني منطقة الشرق الأوسط بما فيها من اتجاهات سياسية وفكرية وعقائدية ودينية وثقافية ترفض الهيمنة الغربية. ما يعني ان ترامب يسعى عبثاً الى ترتيب أوضاع الشرق الأوسط بالشكل الذي يريده ما لم تكن التريبات خاضعة لمعايير العدالة والمساواة والتوازن الطبيعي والمُحِق، وبغير ذلك لا يدوم أي ترتيب بل سيحمل مؤشرات وارهاصات التوتر وربما مزيداً من الحروب.