IMLebanon

«العصيان» الحكومي.. و«حراسة آخر السلطات»

للمرة الثالثة على التوالي وجّه رئيس الحكومة تمام سلام دعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء، معرّاة من ورقة توت جدول الأعمال. الفيتو العوني الممانع لأي نقاش يتجاوز بند التعيينات العسكرية، معطوفاً على الإشكالية الناشئة حول آلية اتخاذ القرار، يحولان حتى اللحظة دون استعادة حكومة «الأنفاس المتقطّعة»، نبضها.

التمديد للضباط الثلاثة وقع، وأبقى على العماد جان قهوجي في موقعه باليرزة حتى أيلول من العام المقبل، بعدما جيّر مجلس الوزراء صلاحية تعيين ضابط ماروني للكرسي الأول في المؤسسة العسكرية، لمصلحة قرار يوقعه وزير الدفاع بتوصية من قائد الجيش ذاته.

ولكن راية الاستسلام التي كان يُنتظر رفعها في الرابية تسليماً لمنطق التمديد، لم تظهر. لا بل يُصرّ الجنرال ميشال عون على خوض معركته حتى النَفس الأخير. طلب من مناصريه تحمية حناجرهم وسياراتهم ليذكروا أهل الحكومة وحُماتها أنّ قرار التمديد ليس آخر الطريق، ويمكن كسر هذا المسار في أي لحظة ممكنة، لإعادة تصويبه تعييناً.

ومع ذلك، لا حاجة لمن يحذّر الجنرال بأنّ قرار التمديد الذي تظلل خيمة الأغلبية الحكومية، لم يكن ابن ساعته ولا آخر الدواء كما جرى تصويره، ولا حتى مخرجاً قانونياً للحؤول دون تسلل سمّ الشغور الى عروق المؤسسة العسكرية، وإنما حمل الكثير من الأبعاد السياسية، التي قد لا تظهر مفاعيلها في القريب العاجل. وقدّر لميشال عون أن يتلمّس طبعاً بعض مؤشراتها.

هكذا، قرّر الرجل دقّ النفير قبل ساعات من التئام حكومة البيك البيروتي والتي يتعامل أهلها مع الاستحقاق العسكري على أنّه صار خلفهم، ويفترض إعادة إحياء جدول الأعمال، وكأنّ شيئاً لم يكن.. ليُنبئهم أنه لن ينسى ولن يقبل.

لا يخشى هؤلاء الغضب البرتقالي لأنهم متأكدون أنّه لن يتحوّل الى بركان جارف يأكل الأخضر واليابس، مهما اشتدّت نبرة الجنرال وعلا صوته. فالأمور مضبوطة بقبضة التوافق الدولي بالحفاظ على مثلّث الاستقرار الداخلي: الأمني والنقدي والسياسي. وطبعاً لا يمكن لهذا المثلث أن يبقى بمنأى عن زلزال المنطقة إذا لم تحافظ الحكومة على الحدّ الأدنى من مقومات بقائها حيّة.

هذا لا يعني أبداً أنّ السلطة التنفيذية تمثّل حكومة القبضايات القادرين على ابتكار المعجزات في زمن الانقلابات، ولكن سقوطها، كما يقول وزير العمل سجعان قزي يجعل لبنان معرّضاً لكل الاحتمالات، ويسحب صاعق الاستقرار فتصبح كل السيناريوهات واردة.

طبعاً، لا يُنتظر من هذه الحكومة أن تقدّم الإنجازات، وهي أصلاً لم تطمح في جدول اهتماماتها الى هذا المستوى من اتخاذ القرارات. حتى في أولى بداياتها، بدت متواضعة في طموحاتها، لا تتخطّى ما هو مطروح من قضايا عاجلة وملحة كأزمة اللاجئين والخطة الأمنية، وفي أحسن حالاتها خرجت ببعض التعيينات الإدارية.

وفي مرحلة ثانية حين تأزمت الحدود وصارت الحرب السورية داخل الدار، قزّمت الحكومة دائرة قضاياها الى ما هو محصور بالحاجات اليومية للمواطنين، لتصير أشبه بحكومة تصريف أعمال. أما راهناً فهي مهدّدة بأن تكون عاجزة حتى عن إقرار ما هو عاجل وملح ويوميّ.

وبينما تتكفل الحوارات الحاصلة خارج السرايا الحكومية بتطريز الصياغات التوافقية كي تتمكن الحكومة من القيام بعملها، سواء على المستوى الأمني أو ما يحصل في ملف النفايات على سبيل المثال، ثمة مَن يسأل راهناً: ماذا يمكن لهذه الحكومة أن تقوم به كي تنقذ نفسها؟

يؤكد قزي أنّ استقالة «الكتائب» من الحكومة لسيت الحلّ البديل أو السليم لأنّها تمثّل الدور المسيحي في قوى «14 آذار»، ومع ذلك لا يمكن للوزراء التخلي عن مسؤوليتهم أمام الرأي العام، حتى لو لم يكونوا من صنف المعطل، فالناس لا تميّز بين المصرّ على وضع العصي في الحكومة وبين الساعي لتسهيل عملها.

بالنتيجة، عمل الحكومة مجمّد والنقاش السياسي عاجز عن ابتكار أي حل، وجلسات مجلس الوزراء تحصل من باب الحفاظ على انتظام التئام المجلس وليس الإنتاج. أي أنها تكتفي بالوجود من دون الفعل، كما يرى وزير العمل.

وعلى الرغم من الدعم الإقليمي والدولي الذي حطّ في السرايا الحكومية لطمأنة رئيسها واحتضانه كي لا يأتي على «أبغض الحلال». إلا أنّ هذه المقويات لم تكن، برأي قزي، مقرونة بأفعال من القوى المحلية تتناغم مع الدعم الخارجي، ما يعني أنّ هذا المسار الانحداري سيزداد خطورة.

ولهذا فإن رئيس الحكومة ملزم بتحديد الخيارات: اما الأخذ بالاعتبار طرح «تكتل التغيير والإصلاح» للاتفاق من جديد على آلية اتخاذ القرار، أو الإعلان بوضوح أمام الرأي العام أنّها حكومة «حراسة آخر السلطات».

بنظره لا يجوز الاستمرار في حال المراوحة ولا بدّ من خطوة: الى الأمام.. أو إلى الوراء. ولكن لا بدّ من كسر الجمود الحاصل، مؤكداً أنّ الحكومة مطالبة بتسيير شؤون الناس، حتى لو وصل الخط البياني للاعتراض العوني الى حافة الاعتكاف، فهذا لا يفترض أن يؤدي بآخر المؤسسات العاملة الى التقاعد القسري.

يعتبر أنّ اعتكاف مكونَيْن، مسيحي وشيعي، لا يلغي ميثاقية الحكومة طالما أنّ هناك مكوّنات مسيحية وشيعية أخرى تؤمن هذه التغطية. وبالتالي من غير المقبول الاستسلام لحالة «العصيان الحكومي» الحاصلة، مشيراً الى أنّ التوافق لا يعني الإجماع، ولا التعطيل، ولا الاستفراد بالحكومة.

مبدأ التوافق الذي جرى الركون إليه لتسيير أعمال الحكومة في مرحلة الشغور الرئاسي، لا يفترض أن يؤدي الى التعطيل ولا يستدعي الإجماع أبداً، برأي وزير العمل، ولهذا لا بدّ من إخراج الحكومة من غيبوبتها.