التصعيد الأميركي الترامبي ضد ايران النووية، بدأ يهمد تحت ضغط الحلفاء الأوروبيين، ومعه يتراجع منسوب القلق اللبناني من الارتدادات السلبية التي كانت في الحسبان، قبل ان يحيل الرئيس ترامب الملف النووي الايراني الى لجان الكونغرس، التي قد تختلف عن لجاننا النيابية، لكن ليس على الاطلاق.
ومع التطمينات التي أطلقها الرئيس سعد الحريري من ايطاليا، حول حماية الاستقرار وتحصين الساحة، تركزت الاهتمامات السياسية لهذا الأسبوع على محورين: محور النازحين الذي أصبح على وجه الصحّارة، والموازنة التي ستحتل الأيام الثلاثة الأخيرة من أسبوع المجلس، الطالع.
مستشار الرئيس عون للشؤون الدولية الياس بو صعب، يقول ان الوزير جبران باسيل قدّم ورقة تتعلق بالنازحين الى رئيس الحكومة للمناقشة والتقرير، والرئيس الحريري أكد الاستعداد لمناقشة الأمر مع الآخرين، لكن اذا كان مضمون الورقة، كما صرح بو صعب: لن نقبل بالعودة الطوعية للنازحين، بل نسعى للعودة الآمنة، ولم يقل بالترحيل، فيا طوله انتظار…
فالمصادر المعنية، تنقل عن الرئيس الأسد قوله لقيادي لبناني باحثه بالأمر: أهلا وسهلا بعودة كل من لم يقف ضد سوريا!….
ومثل هذا الكلام، جعل رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، يسأل المطالبين بالتواصل مع النظام السوري، عن فائدة التحدث معه بهذا الخصوص، إلاّ اذا كان غرضهم اعادة النفوذ السوري الى سابق العهد والزمان….
ومن سيدني، قال سمير المؤمنين كما وصفه ممثل دار الفتوى في العاصمة الأوسترالية الشيخ مالك زيدان، اذا كان هناك نازحون من أنصار الأسد، فبوسعهم العودة كل يوم، أما اذا كانوا ضدّه، فلن يرجعوا اليه، فلماذا الحديث إذن معه؟
جعجع اعتبر ان الحل بأن يستعيد الرئيس عون قرار السلطة… ولا شك بأن الدولة تواجه أخطر أنواع العجز المانع لقيام الدولة الوطنية، القادرة على تجاوز الأحلاف والمحاور الخارجية المهدّدة للسلم الأهلي.
والنازحون السوريون عنصر من العناصر المكوّنة لهذا العجز، وليست كل العناصر، بدليل ان العجز المشكو منه، كان قبل حصول النزوح السوري، وسيستمر بعده، اذا لم يقو الحكم على معالجة العناصر الأساسية، الأخرى، بنفس الجرأة والاصرار، وإلاّ نكون أمام فالج لا تعالج…
لقد تعب اللبنانيون، بل سئموا من النفاق السياسي والهدر المالي والابتزاز الضرائبي، ومن الارتهان للمشاريع الخارجية، اقليمية أو دولية، كما من اللعب على حبال الطوائف والمذاهب والأقليات المشرقية، القائمة على حساب مفهوم الدولة، وخزينتها المنخورة بالثقوب، وديونها العامة المتورّمة، الى حدّ التفسّخ.
وقد جاءت سلسلة الرتب والرواتب لتنصف القطاع العام، فاذا بها توقع، كل اللبنانيين بمن فيهم المستفيدون منها، في جبّ الأسعار.
ودخلت السياسة على خط المفاهيم المختلفة، فالرئيس عون كان يريد ادخال الضرائب في صلب الموازنة المفترض اقرارها نهاية هذا الأسبوع.
الرئيس بري أرادها بقانون مستقل، تجنبا لمقاربة الموازنة، قبل التوافق على مسألة قطع حسابات السنوات السابقة. أما وقد أفتي بامكان إقرار الموازنة، مع إمهال قاطعي الحسابات سنة لانجاز مهمتهم، فقد دخلت رياح التسويات على الخط، وما سنسمعه في المجلس مجرد كلام في الهواء…
أما بالنسبة الى المواطن اللبناني المضروب بالضرائب، وربيبتها الأسعار، فحاله يشبه حال فلاّح جزائري، دعي الى مهرجان نظّمه فريق بومدين، لتبرير انقلابه على القائد بن بللا، حيث خطب بالفلاحين مبيّنا ان الرئيس بن بللا أصرّ على تأميم الأراضي الزراعية، وانه أي بومدين ورفاقه، حاولوا اقناعه بالعدول، اتعاظا بتجربة التأميم الفاشلة في مصر وسوريا، لكنه لم يقتنع، ما اضطرّهم الى الاطاحة به.
وبعد أن أنهى بومدين خطابه، وقف فلاّح عجوز ليقول له: أخ هواري، لماذا الشرح؟ لم أفهم عليك، كل ما هو مطلوب منك أن لا تفقر الغني، وان تغني الفقير…
في لبنان لا خوف على الغني، ولا لزوم للتوصية به، لكن الخوف على الفقير من ان يزداد فقرا، في زمن الفوضى المتوحشة، أما الغنى، فخارج الطموحات والأحلام.