IMLebanon

النازحون والعنصرية: مَن يلعب بالنار؟

مسار النازحين السوريين في لبنان يشبه مسار النازحين الفلسطينيين. لذلك، يخشى المتابعون أن ينتهي ملف النزوح السوري – عاجلاً أو آجلاً- بكارثة شبيهة بالكارثة التي انتهى إليها ملف النزوح الفلسطيني في العام 1975.

كثير من الذين كانوا يعتقدون حتى اليوم أنّ ملف النازحين السوريين أقل خطراً على لبنان من ملف النازحين الفلسطينيين بدأوا يراجعون حساباتهم. فعناصر المعادلة تكتمل:

1 – لا أفق لعودة النازحين الفلسطينيين من لبنان إلى ديارهم أو لانتقالهم إلى بلد آخر. وكذلك، لا أفق لعودة النازحين السوريين إلى سوريا أو انتقالهم إلى بلد آخر.

وقد يجتهد البعض في إيجاد فوارق بين الوضعيتين، كالقول إنّ السوريين سيعودون يوماً إلى وطن «موجود» فيما الفلسطينيون ممنوعون من العودة بالمطلق. لكنّ هذه المقولة ليست واقعية ومفاعيلها واحدة على لبنان.

واللافت أنّ الضغوط الدولية تمارَس على لبنان، علناً، لتطبيع وضعية النازحين الفلسطينيين والسوريين على السواء.

2 – هناك اليوم إرباك وفشل على مستوى الحكومة المركزية في التعاطي مع ملف النزوح السوري كالإرباك والفشل الذي ميَّز التعاطي الرسمي مع ملف النزوح الفلسطيني قبل نصف قرن، سواء لجهة التدفق على لبنان أو تنظيم الإقامة أو توفير الاستقرار الأمني والاجتماعي في بيئات النزوح الفلسطيني والسوري.

3 – هناك انشقاق سياسي وطائفي ومذهبي داخلي حول ملف النزوح السوري شبيه بالانشقاق حول ملف النزوح الفلسطيني. وهذا الانشقاق هو الذي تحوّل في العام 1975 صداماً أهلياً لبنانياً، وفيه عمدت فئات لبنانية إلى استثمار العامل الفلسطيني لتحقيق مكاسب فئوية أو شخصية.

فهناك لبنانيون صنعوا أنفسهم ومواقعهم بقوة البندقية الفلسطينية ضد لبنانيين، وهناك لبنانيون جمَعوا الثروات الطائلة من «نضالات» دفاعهم عن «حقوق الفلسطينيين» ضد «الانعزالية اللبنانية»، كما هناك تجّار أيضاً في صفوف الانعزالية. واليوم، هناك إطلالاتُ متاجرةٍ مماثلة بالنازحين السوريين.

وليس صحيحاً أنّ هناك ظلماً لبنانياً أو عنصرية لبنانية ضد السوريين لا في الماضي ولا في الوقت الحاضر. والدليل هو أنّ مئات الآلاف من السوريين عملوا ويعملون في القرى والبلدات والمدن اللبنانية منذ عشرات السنين، ويُرحّب بهم كما لا يُرحّب بهم أحدٌ في ديارهم. كما أنّ الطلاب والمرضى السوريين مرحَّبٌ بهم في لبنان كما في بلدهم.

وفي لبنان، هناك مليونا سوري مقابل سكان لبنان الـ4 ملايين، أي إنهم 50 في المئة من الشعب اللبناني الباقي على قيد الحياة! وهم يتمتّعون بخيرات لبنان من دون أن يطلب منهم أحدٌ شيئاً في المقابل، وهم يتوسّعون بالسيطرة حتى على المهن التي كانت حتى الأمس القريب محصورة باللبنانيين، وينشئون المؤسسات الصناعية والتجارية بلا رقيب. فهل يجوز الكلام على ظلم أو عنصرية تجاه النازحين في هذه الحال؟

وعندما تضطر الأجهزة العسكرية والأمنية والشرطة البلدية إلى اتخاذ إجراءات رقابية أو احتياطية حتّمتها العمليات الإرهابية في قرى لبنانية، وتَحرُّك الخلايا في مناطق مختلفة، هل تقتضي المصلحة الوطنية أن يتمّ التعريض بهذه الأجهزة إذا ما وقعت في مبالغة معينة أو خطأ يتعرّض لمثله اللبنانيون كل يوم، ولا يجدون مَن يدافع عنهم؟

الخوف هو أن يتّجه ملف النازحين السوريين في لبنان تدريجاً إلى المكان الذي بلغه ملف النازحين الفلسطينيين. والأخطر هو وجود مَن يُحرِّض النازحين السوريين على الانتفاض في وجه اللبنانيين من خلال إشعارِهم بأنهم مظلومون أو منبوذون، فيما اللبنانيون جميعاً يعيشون حالات الظلم والنبذ!

حتى اليوم، لا مخيّمات سورية كالمخيمات الفلسطينية في لبنان، ولا سلاح ولا فدائيين. ولكن، لا شيء يضمن المستقبل، خصوصاً أنّ الإقامة في لبنان طويلة وأنّ بعض اللبنانيين مستعدون لفتح شركات المقاولة بالنازح السوري، وأنّ بعضهم يضطلع اليوم بأدوار كتلك التي اضطلع بها في ملف النازحين الفلسطينيين. وماذا لو دخل سلاح الإرهاب في خدمة المؤامرة؟

المسؤولية تقع في الدرجة الأولى على القوى التي أباحت الحدود اللبنانية ذهاباً وإياباً، وعلى المسؤولين اللبنانيين الذين استمروا حتى اليوم في التعاطي مع الملف وكأنّه مسألة بسيطة يمكن حلّها باستجداء الدولارات من الدول المانحة، «على ظهر» النازحين، والحصول على الغنائم وتكديسها في المصارف.

ولكن، هل مَن يتحمَّل المسؤولية عن دفع لبنان والنازحين السوريين معاً إلى المأزق؟

يوماً بعد يوم يتبيّن أنّ الذين حذّروا، منذ اللحظة الأولى، من انفجار أزمة النازحين السوريين في لبنان، على مداها، كانوا يتمتّعون ببُعد النظر. أمّا المسؤولون والسياسيون اللبنانيون الذين سكتوا وما زالوا فيمكن وضعهم في إحدى خانتين:

إمّا أنهم لا يتمتعون ببُعد النظر والرؤية المطلوبة لإدراك المخاطر. وهذا يعني أنهم غير جديرين بتحمّل المسؤولية وتعاطي الشأن العام ويجب أن يَتنحّوا.

وإمّا أنهم يدركون المخاطر جيداً لكنهم يفضّلون السكوت عنها لمصلحة معينة. وهنا يصبح الأمر كارثياً، لأنه يعني أنّ هذه الفئة من المسؤولين والسياسيين تتواطأ ضمناً على لبنان وكيانه، وتالياً هي تستحق المحاسبة والمقاضاة بتهمة الخيانة العظمى.

ولكن مِن حظّ هؤلاء المسؤولين والسياسيين جميعاً أنّ أحداً في لبنان لا يفكر لا في المحاسبة ولا في المعاقبة!