Site icon IMLebanon

النازحون والخيارات المُرّة

لم تَنفع سياسة «النأي بالنفس» التي اتَّخذتها الحكومة اللبنانية كموقف رسمي تجاه النزاع الدائر على الأراضي السورية من منع تمدّد نيران الحرب إلى العمق اللبناني، سواءٌ سياسياً أو عسكرياً، وتجلّى ذلك بانخراط الطرفين الآذاريَين في الحرب كلٌّ بعدّته وآلياته.

«حزب الله» ذهب إلى ساحات القتال بمجاهديه وأسلحته، مشيّعاً شهداءَه تحت راية «الواجب المقدس»، فيما شيّعت المجموعات الإسلامية المناوئة بعضاً من قتلاها في مناطق عدّة استحوَذ الشمال على النصيب الأكبر منها.فريق «14 آذار» حضر بكامل عدّته السياسية والإعلامية، فضلاً عن المؤازرة الأبعد التي تولّاها نائب «المستقبل» عقاب صقر.

إلّا أنّ ملف النازحين السوريين شكّلَ أبرز تداعيات الحرب السورية على لبنان. وفقاً للتقارير الصادرة عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، هناك ما يقارب المليون ونصف المليون نازح، أي ما يوازي ثلث الشعب اللبناني باتوا أمراً واقعاً يتكاثر في الديموغرافيا اللبنانية.

وبعيداً عن انعكاس حجم النزوح الكبير على مجمل الأوضاع الأمنية والاقتصادية والصحية والتربوية للشعب اللبناني، فإنّ حجم المساعدات الدولية الممنوحة للاجئين لا يُغطي سوى 19 في المئة من الحاجة الفعلية.

إلاّ أنّ أخطر التداعيات الذي استحوذ الحديث عنه المساحة الأوسع من لقاء رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون وقائد الجيش العماد جان قهوجي أمس الأوّل داخل قاعدة رياق الجوية، هو الخطر الأمني من ملف النازحين. وينقل مصدر أمني واسع الاطلاع لـ«الجمهورية» أنّ الإحصاءات الرسمية تشير الى ازدياد حوادث الإخلال بالأمن وجرائم السرقة والسلب والاعتداء على المواطنين، تزامناً مع ازدياد أعداد النازحين.

ويعزو المصدر الأمني الأمر الى الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها النازحون، فضلاً عن انتشارهم في مختلف المناطق عشوائياً، وعدم وجود مخيّمات جماعية خاصة بهم أسوةً بالدول المجاورة لسوريا، فضلاً عن وجود عناصر إرهابية أو متطرّفة أو ذوي سوابق بينهم.

كلّ تلك الأعباء شكّلت ثقلاً مضافاً على أكتاف الجيش، الذراع العسكرية للسلطة التنفيذية التي نأت بنفسها عن الحرب، من دون أن تنأى الحرب عنها بتداعياتها.

عن إجراءات الجيش تجاه قضية النازحين، تكشف مصادر عسكرية لـ«الجمهورية» أنّ 7 آليات أساسية لمواجهة الملف المعقّد اعتمدتها المؤسسة:

1- تكليف وحدات الجيش العملانية في مناطق انتشارها، إجراء مسح دقيق لوجود النازحين.

2- تنفيذ عمليات دهم لتوقيف المطلوبين وسَوقهم الى العدالة، أو الداخلين خلسة الى الاراضي اللبنانية، أو المشتبه بقيامهم بنشاطات إرهابية وأعمال مخِلّة بالأمن، أو الذين يَحوزون أسلحة ومتفجّرات وممنوعات.

3- منع التنظيمات الإرهابية الموجودة على الحدود اللبنانية – السورية من التواصل مع قاطني مخيّمات النازحين الى أقصى حدٍّ ممكن، وذلك عبر إقفال الطرق والمنافذ كافّة، وتوسيع انتشار القوى العسكرية وتعزيز مراكزها وتفعيل الجهد الاستخباراتي، وهذا ما حصَل ولا يزال، في منطقة عرسال خصوصاً.

4- تكثيف الإجراءات على المعابر الحدودية لمنع الدخول غير الشرعي إلى لبنان بالتعاون مع الأجهزة الأمنية.

5- السهر على أمن تجَمّعات النازحين وسلامة سكّانها وطَمأنتِهم الى أنّ الجيش لا يستهدف إلّا العابثين بالأمن منهم.

6- تقديم الدعم إلى المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية العاملة في إطار إغاثة النازحين.

7- تعزيز التدابير الأمنية في كلّ المناطق، وعدم السماح لبعض النازحين من الدخول على خط الأحداث.

إلّا أنّ المصدر العسكري يضيف: «على رغم الإجراءات المتّخَذة من الجيش والأجهزة الأمنية والوزارات المعنية، لجهة الحد من تفاقم تداعيات قضية النازحين، فلا تزال هذه القضية تشكّل خطراً محدِقاً بلبنان على كلّ الصعد، وفي مقدّمها الأمنية، وهذا ما يتطلب من الدولة اللبنانية بالتعاون مع المجتمع الدولي، البحث عن حلول جذرية للأزمة».

وعن تلك الحلول الجذرية التي يطالب بها المصدر العسكري، تشير مراجع ديبلوماسية مطّلعة إلى أنّ كلّ ما حدث في الايام الاخيرة من تسليط الضوء على قضية المهاجرين السوريين الى أوروبا في الإعلام الغربي وعلى ألسِنة قادة العالم وخصوصاً الاوروبيين، ليس إلّا مقدّمة للدفع نحو حلٍّ جدّي للأزمة السورية من بوّابة النازحين – المهاجرين.

وعليه تضَع المراجع الديبلوماسية زيارة كاميرون ومِن بعدِه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى لبنان في هذا الإطار. وتتداول في الأروقة المعنية بالقرار الأممي 3 أفكار للحلّ:

– إعادة النازحين الى الأراضي السورية ضمن حلّ سياسي يلحَظ مسألتهم، يَسبقه عمل عسكري كبير يتشارك فيه الروس على طريقتهم، إضافةً إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

– تثبيت وتشريع مناطق حدودية آمنة، سَواء مع الجانبين التركي شمالاً والأردني جنوباً. وهنا يتعقّد الأمر عند الحدود اللبنانية نظراً لحساسية المنطقة والعمليات العسكرية الدائرة في الزبداني عند السلسلة الشرقية بين «حزب الله» والجيش السوري من جهة، والمجموعات المسلحة من جهة أخرى. فضلاً عن رفض الجانب السوري ومعه إيران وروسيا خيار المناطق الآمنة المزعومة.

– تثبيت النازحين السوريين في دوَل الجوار وتأمين مستلزمات الحياة لهم من طبابة وتعليم للحدّ من تدفّقهم الى أوروبا.

وعليه، يبدو أنّ ملف النازحين السوريين في لبنان عاد إلى الواجهة تزامناً مع الضجّة التي أحدثتها قضية المهاجرين إلى أوروبا.

وإذا كان الجيش اللبناني وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الأمن العام الذي تطول جردةُ إنجازاته في قضية النازحين سواءٌ إدارياً أو أمنياً، تمكّنوا حتى الساعة من الحدّ من التداعيات الأمنية للملف، فإنّ المقبل من خيارات ثلاثة سيكون أحلاها مرّاً على لبنان.

فالضربة العسكرية قد تؤدي إلى تدفّق آلاف النازحين بدلاً من عودة أقرانهم من الموجودين داخل الأراضي اللبنانية الى سوريا. وتثبيت النازحين في الأراضي اللبنانية في مخيمات خاصة يشكّل مقدّمة توطين لا محال. أمّا الذهاب نحو مناطق آمنة فهذا يستدعي تنسيقاً بين أطراف متخاصمة إلى حدّ القتال وهذا دونه عقبات حتى الساعة.

وعليه يبدو أنّ لا حول ولا قوّة للّبنانيين تجاه واحدة من أكثر القضايا خطورةً وتشعّباً، إلّا إذا جاء الحلّ السحري الذي يوقف الحربَ وتعود معها الحياة إلى سوريا ومعها النازحون الذين اتّخِذ بحقهم قرار غربي وخصوصاً أوروبي بوقف تدفّقهم، وتثبيتهم إمّا داخل سوريا أو في دوَل الجوار وعلى رأسها لبنان.