بعدما دخل لبنان مرحلة الحلّ السياسي وعادت الحياة الى مؤسساته الدستورية تدريجاً، تتّجه الأنظار الى الإستحقاقات المقبلة، ولعلّ أبرزها تأليف الحكومة والتحضير للإنتخابات النيابية، ومعالجة الأزمات التي تهدّد الأمن والكيان.
يَفتتح العهد الجديد روزنامته على سلسلة مطالب ومشكلات تكاد لا تنتهي، وتبرز أزمة الكهرباء والمياه وغلاء المعيشة واستفحال الفساد وغياب الرقابة كأزمات حياتية تقضّ مضجع اللبناني، في وقت تبقى أزمة النازحين السوريين سيفاً مصلتاً يُهدّد الكيان ويضرب التوازنات الديموغرافية التي بُنيَ لبنان على أساسها.
لم يتعب المسؤولون من المطالبة بمساعدة المجتمع الدولي لإعادة مَن هجّر الى أرضه، وحتى الساعة لا جديد على خط النزوح. ويؤكّد المطّلعون على هذا الملف أنّه في أحسن الأحوال، وإذا توقفت الحرب السورية اليوم، وهذا أمر مستبعَد، فقد تستغرق العودة النهائية أكثر من 5 سنوات لأسباب عدة تراوح بين لوجستيّة وسياسيّة ودينيّة وتقنيّة متصلة بتجاوب المجتمع الدولي.
وفي الوقائع والدراسات على الأرض، فإنّ إعادة بناء ما تدمّر يحتاج وقتاً طويلاً، خصوصاً أنّ عملية إعمار بهذا الحجم تقودها شركات مقاولات ضخمة عالمية. كذلك، فإنّ الخطوات الأولى في هذا الإتجاه تكون بعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار سوريا تشارك فيه الدول المانحة، والتحضير له يستغرق وقتاً ولا يحصل بين ليلة وضحاها.
وقبل التوجّه الى المؤتمر الدولي، هناك مرحلة الحلّ السياسي، فالمرحلة الإنتقاليّة تحتاج خطوات تنفيذيّة كالاتفاق على رئيس جمهورية، وتأليف حكومة واستلامها مقاليد الحكم وإجراء انتخابات، فهذه المراحل تستغرق 6 أشهر على الأقل.
من الناحية التقنيّة، لا يحصل فضّ عروض شركات المقاولات بـ»كبسة زر»، بل إنه يتطلّب إتفاقاً بين الدول الكبرى على تقاسم الحصص، وإن كان ظاهره تقنياً. وفي حال أنجزت كلّ الإتفاقات السياسيّة والمقاولاتيّة، فإنّ العوائق على الأرض كثيرة أبرزها إزالة الركام من الأحياء المدمّرة خصوصاً أنّ المناطق المدمّرة وعلى رأسها حمص وحلب بعيدة من البحر.
أما من الناحية السياسية، فتحتاج عودة النازحين الى إبرام مصالحات داخلية، مع ما يرافق هذه العملية من تأخير، والدليل أنّ ملف التهجير اللبناني لم يُطوَ بعد مرور 26 عاماً على انتهاء الحرب، ومجمل أعداد المهجّرين اللبنانيين لا يوازي تهجير حيّ من المدن السورية الكبرى. وبالتالي، فإنّ الحلّ السياسي إن حصل، لا يعني أنّ سوريا عادت الى طبيعتها أو إرتاح لبنان، مع أن لا شيء في الأفق يشير الى نهاية قريبة للأزمة.
الداخل اللبناني يتعامل مع أزمة النزوح كأمر واقع، فتؤكد مصادر ديبلوماسية لـ»الجمهورية» أنّ «وزير الخارجية جبران باسيل فاتح أخيراً وبعد إنتخاب رئيس الجمهوريّة، عدداً من الدول بهذا الملفّ، وأعاد طرح إنشاء مناطق آمنة في سوريا، إلّا أنّ الجواب كان «لا»، والحجّة عدم القدرة على تأمين حماية المخيمات حتّى على الحدود اللبنانية – السوريّة، كذلك، فإنّ النازح لا يرضى بالعودة ويخشى انتقام النظام، وسط تفلّت الدول الكبرى من إلتزاماتها».
من جهة ثانية، يؤكّد مطّلعون على أجواء بعبدا لـ«الجمهورية» أنّ «العهد الجديد يصرّ على حلّ هذا الملفّ لكي لا تنفجر القنبلة الموقوتة». ويلفت هؤلاء الى «أهمية إنتخاب رئيس قادر على الحديث مع الجميع ومن ضمنهم النظام السوري ومحاورته، على رغم أنّ الحكومة السابقة كانت ترفض هذا الأمر، لكنّ تبدّل الأولويات يفرض على السلطات اللبنانية التعامل مع الأمر الواقع لما فيه مصلحة لبنان بعدما تخلّى العالم عنا».
ويشددون على أنّ عون «ليس رئيساً لإدارة الأزمات، بل لحلّها، وجوّ الارتياح الذي خلّفه انتخابه يجب أن يُستكمل، وبالتالي فإنّ أزمة النزوح تتخطّى المطالب الفئوية والحزبية لتصل الى المجتمع اللبناني، ومن هنا إصرار الرئيس على المباشرة بالمعالجات حتّى قبل بزوغ فجر الحلّ السياسي في سوريا».
لم يبقَ أمام لبنان سوى الإتكال على نفسه لحلّ أزمة النزوح، إذ إنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب صرّح بأنه يعتزم طرد 3 ملايين لاجئ، ومع تصاعد اليمين المتطرّف في فرنسا، فإنّ أبواب الغرب قدّ تقفل أمامهم في حين أنّ بعض الدول الغربية كان يطلب نازحين، من هنا يرى الجميع وجوب أن يدخل لبنان أيّ حلّ عملي لهذه الأزمة، مع عدم إهمال الأبعاد الإنسانية لتلك الأزمة.