الصمتُ الذي يلفّ ملفَ النازحين السوريين في لبنان يثير الهواجس. فقد مرّت 4 سنوات على الأزمة… ولا شيءَ يمنع أن تمرّ 4 أخرى أو 14 أو 24!
في مطلع العام الجاري، ردَّ منسق أنشطة الأمم المتحدة في لبنان روث ماونتن على الهمس الدائر حول إحتمال توطين النازحين السوريين في لبنان، وقال: «لا خطة للتوطين، بل هناك نية لإعادة توطين هؤلاء في دول أخرى». وفي الوقت عينه، أعلن أنّ الأمم المتحدة تُوافِق على عودة الراغبين بالعودة إلى سوريا، شرط أن يتوافر الأمن في المناطق التي سيتوجهون إليها.
وتزامن هذا الموقف مع الخطة اللبنانية الجديدة، القاضية بتجميد تدفُّق النازحين إلى لبنان. ومنذ ذلك الحين، تؤكد الإحصاءات أنّ عملية النزوح توقفت تقريباً، عبر البوابات الشرعية. وأما المعابر غير الشرعية، وهي كثيرة على إمتداد الحدود اللبنانيةـ السورية، فليست هناك قدرة لأحد على ضبطها وإحصاء العابرين من خلالها. وتجزم الأمم المتحدة أنّ أرقام النازحين إلى لبنان توقفت عن التصاعد.
ولكن، يجدر التعمّق في المشكلة حيث توقفت: ففي آخر الأرقام عن عديد النازحين المسجَّلين رسمياً وغير المسجَّلين في لبنان، ما زال هؤلاء في حدود المليون وربع المليون، يُضاف إليهم أكثر من ربع مليون سوري، مع عائلاتهم، يُصنفون في فئة اليد العاملة. ويعني ذلك أنّ عدد السوريين المقيمين في لبنان يزيد عن المليون ونصف المليون نسمة.
ويتوقف المتابعون للملف عند ظواهر لافتة. فالنازحون عانوا في لبنان شتاءً قاسياً جداً، بلغت فيه العائلات وضعاً مأسوياً. ومع ذلك، لم يغادر لبنان إلّا قلّة قليلة.
ومع الربيع والصيف المقبلين، يتوقع المعنيون عمليات نزوح جديدة إلى لبنان، عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، ما ينفي النظريات القائلة بأنّ عدد النازحين سيستمر في التناقص. وخلافاً لذلك، يعتقد المتابعون أنّ ملف النزوح سيبقى قنبلة موقوتة في لبنان.
وبعيداً من التطمينات الساذجة التي يطلقها مسؤولو الأمم المتحدة، يكفي أن يكون في لبنان أكثر من مليون ونصف المليون سوري، ومعهم قرابة النصف مليون فلسطيني، لطرح الأسئلة حول توطين هؤلاء.
فلا أحد حتى اليوم يستطيع الإجابة عن السؤال: كيف يمكن إنهاء ملف اللاجئين في لبنان، بعيداً من التوطين؟
فالمجتمع الدولي أمضى نصف قرن يتفرَّج على حروب لبنان التي أوقعت 100 ألف قتيل، وعلى أزماته وإحتلالاته المتعدِّدة من دون أن يحرِّك ساكناً. واليوم يجري تدمير بلدان، وتضمحلُّ مجموعات حضارية وتُجرَف مدن أثرية ومتاحف، فيما المجتمع الدولي متفرّج أو متواطئ.
ولذلك، يخشى كثيرون ما ستؤول إليه أزمة النازحين، فيما المجتمع الدولي يتلكأ عن تقديم الحدّ الأدنى من الدعم للبنان في مواجهة الأزمة. وبدلاً من ذلك، هناك محاولات للإحتيال على لبنان وإدخاله في منظومة الدول الموقِّعة على إتفاقية جنيف للاجئين، من أجل إرغامه على القبول بكلّ مستلزمات اللجوء، أيْ عملياً، فرض اللاجئين عليه إضطرارياً، وإجباره لاحقاً على منحهم جوازات- وفق ما تنصّ عليه الإتفاقية- تحت طائلة حرمانه من أيّ دعم مالي في المقابل.
وفي الخلاصة، إنّ الصمت الذي يواكب ملف اللاجئين السوريين ليس صمت التطمين، بل صمت المخاوف من تطورات آتية. فالحرب في سوريا طويلة جداً على ما يبدو، وتوحي المعطيات بأنّ قسماً كبيراً من النازحين السوريين يرسّخون إستقرارهم في لبنان، مستفيدين من ميزات بلدٍ ما تزال فيه قيمة للحرية في الحدّ الأدنى.
وثمة سؤال يطرحه المتابعون: كيف ستتصرف الأمم المتحدة لمنع إنهيار لبنان، بعدما وصل فيه اللاجئون السوريون والفلسطينيون إلى نسبة الثلث من السكان، وبعد فقدان الأمل بعودة هؤلاء إلى سوريا بسبب ظروفها… وإلى فلسطين بسبب الرفض الإسرائيلي؟ في المبدأ، لا جوابَ يقدّمه المجتمع الدولي في المسائل الكبرى.
وقد تكون أزمة النزوح السوري جزءاً من لعبة الخرائط الجديدة في الشرق الأوسط. وعندئذٍ، يمكن تأكيد المعادلة: عندما تصبح سوريا «دولة سابقة»، سيصبح لبنان، وربما الأردن ودول أخرى، «دولاً سابقة»… وفي إشراف الأمم المتحدة!