يتواصل تدفق عائلات نازحة إلى بلدات إقليم الخروب وقراه، حيث تحوّلت المدارس والجامعات الرسمية والخاصة (كالجامعة الإسلامية في الوردانية) ومقارّ البلديات والقاعات الرسميّة والمساجد وقاعات الأفراح إلى مراكزَ للإيواء. ويزداد العدد يومياً مع استقبال عائلات أقارب في الغرفة نفسها، حتّى باتت بعض الغرف في المدارس تضم أكثر من 20 شخصاً!
يؤكّد مدير الخليّة المركزيّة لمتابعة شؤون النزوح في الإقليم، رئيس بلديّة كترمايا، يحيى علاء الدّين، أنّ الإحصاءات الرسميّة ومسح أعداد القاطنين في الشقق المستأجرة ومنازل المضيفين، تشير إلى وجود أكثر من 120 ألف نازح في المنطقة، نحو 27 ألفاً منهم موجودون في مراكز الإيواء في 22 بلدة، وتتوزّع البقية على الشقق. ولفت إلى أنّ مُعظم الحاجات الأساسيّة باتت مؤمّنة في المراكز، فيما تتلقى العائلات النازحة في هذه المراكز 100 دولار شهرياً من مكتب السيد السيستاني. أما الأزمة فتكمن في متابعة حاجات الموجودين في المنازل، حيث تصل المُساعدات بمبادرات فرديّة لا يُمكّنها تغطية كل الحاجات.
ومع ازدياد الضغط واقتراب فصل الشتاء، يلفت علاء الدّين إلى أنّ الحاجات في المناطق المُرتفعة باتت مُلحّة، وخصوصاً للبطانيّات والحرامات. إذ إنّ الحرامات التي سبق أن وصلت عبر الهيئة العليا للإغاثة وإحدى الجمعيّات التي تُعنى بالأطفال كانت رقيقة جداً ولا تقي من البرد القارس في بعض القرى كشحيم وداريا وبسابا والزعروريّة وحصروت… التي تشهد عادةً برداً قارساً.
تخوّف من انتشار الأمراض وأزمة استيعاب في المستشفيات
وإلى النّقص الفادح في الحرامات إلى حد غيابها، بدأ المعنيّون يبحثون عن سبل تأمين وسائل التّدفئة في مُعظم المدارس. ويقول علاء الدّين لـ«الأخبار» إنّ المدارس الواقعة في القرى المرتفعة مزوّدة بوسائل تدفئة، إلا أنّنا نبحث في كيفيّة تأمين المازوت لها، في حين أنّ المدارس الواقعة في المناطق القريبة من سطح البحر (كسبلين وبرجا وكترمايا والمغيريّة..) غير مجهّزة أصلاً بوسائل تدفئة، ما يشي بتحدٍّ حقيقي للدولة والمعنيين.
كذلك بدأت تلوح في الأفق أزمة غياب المياه الساخنة في ظلّ تخوّف من انتشار الأمراض النّاجمة عن غياب النّظافة. وبدأ المعنيون طرح الأمر على الجمعيّات سعياً لإيجاد جهات مانحة تتمكّن من تغطية نفقات تجهيز المدارس بسخانات المياه ووصلها بالكهرباء أو الغاز، مع ارتفاع حجم النفقات لتغطية ساعات التغذية الكهربائيّة في المراكز، إذ يصل المعدّل في القرى الصغيرة التي لا تحتوي على مراكز كثيرة إلى نحو 85 دولاراً يومياً، فيما يرتفع الرقم إلى أكثر من الضعف في البلدات الكُبرى.
ويزيد فصل الشتاء والبرد من أزمة كثافة أعداد النّازحين، إذ يُشير أحد مديري المدارس إلى أنّ معظم الموجودين في المدارس يخرجون إلى الباحات أو حتّى خارج المدرسة خلال ساعات النّهار ويتدبّرون أمورهم ليلاً، في حين أنّ مسألة الخروج لن تكون مُتاحة في عزّ البرد، ما يدفعهم إلى البقاء طوال النّهار في القاعات التي بالكاد تتسع لهم. وهذا يزيد من خطورة انتشار الأمراض والفيروسات، علماً أنّ مراكز الإيواء سبق أن شهدت موجات من الجرب والقمل جرت السيطرة عليها، مع ازدياد دورات التّوعية بالإرشادات الصحيّة من قبل جمعيّات محليّة ودوليّة تشجّع على الإعلان عن الحالات لمكافحتها.
وليست موجات القمل والجرب وحدها ما يخشى منه المعنيون، وإنّما انتشار الأوبئة في ظلّ عدم قدرة المستشفيات والمستوصفات حالياً على استقبال مزيد من المرضى والجرحى، في ظلّ وجود 4 مستوصفات حكومية في المنطقة (برجا، الدبيّة، شحيم وكترمايا) يتوجّه إليها من هم بحاجة إلى رعاية صحيّة عاديّة، ومستشفيين حكوميين (سبلين والمركزي في مزبود) يتوجّه إليهما من هم بحاجة إلى رعاية مكثّفة.
ويلفت معنيون عن القطاع الصحي إلى عدم قدرة هذين المستشفيين على الاستيعاب وصعوبة حقيقية في إدخال المرضى الجُدد، وخصوصاً أنّ من بين النّازحين عجّزاً مصابون بأمراض مستعصية، إضافةً إلى عدم وجود تغطية شاملة للعلاج على نفقة وزارة الصحّة.
ولفت علاء الدين إلى قيام فرق من الصليب الأحمر وفرق من الممرضين في المستوصفات المحليّة بجولات ميدانيّة دوريّة على مراكز الإيواء لمعاينة المرضى وتأمين بعض الأدوية للأشهر الثلاثة المقبلة، إضافةً إلى قيام المعنيين بتأمين مستلزمات أساسيّة كالكراسي المتنقلة وفرش الماء والأسرّة الطبيّة. لكنه شدد على ضرورة تعزيز الأدوية في المستوصفات قبل نفادها في ظلّ كثافة الطلب عليها.
النّازحون جزءٌ من الإقليم واقتصاده
تُثقل تداعيات أزمة النّزوح كاهل المعنيين في إقليم الخروب، في ظلّ ارتفاع الرقم إلى أكثر من 120 ألف نازح. ورغم ذلك، تكاد تكون الأزمة في المنطقة أخف من المناطق الأُخرى، في ظلّ تحضيرات البلديّات والمتابعين مسبقاً لهذه الأزمة مع إنشاء خليّة أزمة مركزيّة، تتفرّع عنها خلايا مصغّرة في كل بلدة.
ويقول مدير الخليّة المركزيّة، رئيس بلديّة كترمايا، يحيى علاء الدّين إنّ «ما سهّل عملنا هو الحسّ التضامني لدى أبناء الإقليم الذين تداعوا إلى المساعدة والانخراط في المجموعات الإغاثيّة وتأمين اللوازم الأساسيّة واستقبال النّازحين في المنازل»، لافتاً إلى أنّ هذا الحسّ يُمكن تلمّسه عبر رفض العديد من العائلات النّازحة التوجّه إلى مراكز في مناطق أُخرى حيث يوجد أقرباؤهم، واندماج النّازحين في محيطهم، إلى حدّ أنّ العديد من الموجودين في مراكز الإيواء يخرجون نهاراً لزيارة أهالي المنطقة الذين أقاموا معهم علاقات اجتماعيّة.
والأهم من ذلك، هو انخراط النّازحين في العمل في المنطقة، على حدّ تعبير علاء الدين، الذي يؤكّد أنّ بعض النّازحين طلبوا العمل بدلاً من المُساعدات. لذلك، «قمنا بتأمين فرص العمل للكثير منهم في الزراعة (الزيتون على وجه الخصوص)، والعمل في المحالّ التجاريّة وسائقي تاكسي»، شارحاً أنّ بعض المحالّ التجاريّة صارت تحتاج إلى مزيد من العمال بعدما نشطت دورتها الاقتصاديّة جرّاء وجود النّازحين في المنطقة.
مطابخ مركزية
منذ بدء موجة النزوح إلى إقليم الخروب، طُبّقت فكرة إقامة مطابخ مركزيّة توزّع الوجبات السّاخنة على العائلات الموجودة في مراكز، وعلى بعض العائلات الموجودة في المنازل. وتضم المنطقة 4 مطابخ مركزيّة أساسيّة تُغطي معظم العائلات في المراكز، وهي: صندوق الزكاة في برجا، دار الأيتام الإسلاميّة في كترمايا، جمعية الوعي والمواساة في كترمايا، ونادي النور في شحيم.
مع ذلك، لا تتمكّن هذه المطابخ من العمل يومياً، بسبب نقص الكادر البشري أو تعطّل بعضها أو نقص المواد الأوليّة. ويقول المعنيون إنّ غياب الوجبات الساخنة اليوميّة تعوّضه الحصص الغذائيّة التي توزّعها الدّولة والجمعيّات؛ وأهمّها: مجلس الجنوب، و«جمعية الإغاثة الإسلامية عبر العالم». فيما تبحث خليّة الأزمة المركزيّة في أفكار بديلة، وخصوصاً مع التقديرات بطول مدّة الحرب، كتجهيز مطابخ في مراكز الإيواء وتأمين المواد الأولية لها.