بكثير من “البراءة السياسية” يقول المعنيون الرسميون بملف النازحين السوريين إنّ الحكومة قررت وضع الملف على طاولة البحث العملاني، وهي التي صار عمرها أكثر من خمسة أشهر، فقط لأنّ وزارة شؤون النازحين وهي التي تتولى هذه القضية بعد إلغاء وزارة الدولة لشؤون النازحين، وضعت اللمسات الأخيرة على الخطة فرفعتها إلى مجلس الوزراء لاقرارها. لا خلفيات سياسية، بالنسبة لهؤلاء تقف خلف هذه الخطوة ولا اعتبارات “تقرّش” بلغة الضغوط التي يتعرض لها لبنان في هذه اللحظات العصيبة. كل ما في الأمر، أنّ الخطة باتت جاهزة وصار لا بدّ لها من أن تسلك مسارها القانوني ومن ثم التنفيذي.
لماذا السؤال عن التوقيت؟
يجزم المواكبون لظروف تأليف حكومة حسان دياب والتي لم تر النور إلا بتقاطع دولي وضوء أخضر غير مرئي بالنسبة لكثيرين، ولكن بالنتيجة، ما كانت لتدخل البرلمان طالبة الثقة لو أنّها لم تمنح فرصة خارجية علّها تقوم بما عجزت عن القيام به الحكومات السابقة، وتحديداً حكومتي سعد الحريري في عهد الرئيس ميشال عون، في ما خصّ ملف الإصلاحات البنيوية والمالية التي يحتاجها لبنان لوقف النزيف الاقتصادي.
في تلك الأيام، يؤكد المتابعون أنّ مفاوضات عابرة للحدود تخطت الداخل اللبناني حصلت على نحو غير مباشر بين الدول المعنية، وأهمها فرنسا والولايات المتحدة من جهة، و”أولياء أمر” حكومة دياب من جهة أخرى، أفضت إلى تقاطعات سهلت ولادة الحكومة. وكان ملف النازحين واحداً من تلك التقاطعات التي وضعها الأوروبيون على جدول الأعمال بحيث بدوا في تلك الحظة ميالين إلى التخفيف من اندفاعة بعض اللبنانيين للدفع باتجاه إعادة النازحين إلى سوريا بأي ثمن.
خلال حكومة سعد الحريري الأخيرة، كان فريق الثامن من آذار هو الذي يقود هذه الهجمة لفرض عودة النازحين بنداً أساسياً على جدول أعمال واهتمامات الحكومة، في ضوء المبادرة التي أطلقتها روسيا وحاولت تسويقها لكنها اصطدمت بالنتيجة برفض المجتمع الغربي الشروع في ورشة اعادة الاعمار، ولجأت إلى عنوان العودة الطوعية كي تحاصر أي مشروع لإعادة أعداد كبيرة من النازحين الى بلادهم، طالما أنّ التفاهم السياسي حول “سوريا الغد” لم يرَ النور. وما تراخت عن القيام به حكومة الحريري، أقرته على نحو هادئ ومن دون ضجيج حكومة دياب. بدا وكأن هناك محاولة للضغط على الدول الأوروبية وتحديداً فرنسا من خلال إعادة العمل بورقة النازحين واحيائها، لاعتبارات سياسية تتخطى العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي يتحجج بها لبنان لوضع هذا الملف على طاولة البحث.
يقول أحد المعنيين بهذا الملف، جلّ ما في الأمر أنّ لبنان يريد التخفيف من الضغوط التي تمارس عليه، وهو بالتالي ليس مضطراً للتحمل أكثر عبء النازحين الذين يقضمون من اقتصاده الواقع في الهلاك، ولذا عليه التحرك سريعاً للتخفيف من الأثقال الملقاة على عاتقه. وهو بالتالي يحاول توجيه رسالة إلى الدول الأوروبية تحديداً، ومفادها: إما التدخل ومساعدة لبنان مالياً لتحمّل عبء النازحين، وإما تحمل المسؤولية في التعامل بواقعية مع الجهود التي سيقودها لبنان لإعادة هؤلاء إلى أرضهم.
ويلفت إلى أنّ النظام السوري يرحّب بالخطوة اللبنانية ولو أنّه يفضل ان يكون التنسيق على مستوى الحكومتين لا أقل، لا بل يؤكد أنّ دمشق بحاجة إلى مجموعات من النازحين مؤيدة للنظام كي تشارك في الاستحقاق المقبل، وبالتالي هي ستسهل عودة هؤلاء، وهذا ما لمسه وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية من نظيرته السورية خلال زيارته إلى دمشق قبل أشهر.
وتؤكد مصادر مطلعة على موقف رئيس الحكومة أنّ لبنان لا يهدف من خلال هذه الخطوة إلى فتح باب رسمي للعلاقة مع سوريا لأنّ التواصل لم ينقطع أصلاً، مشيرة إلى أنّ الخطوة مرتبطة فقط بموعد وضع الخطة التي تأجلت لأسابيع بفعل الأحداث التي فرضتها جائحة كورونا.
وفي هذا السياق، تشير مصادر تقنية معنية بالملف الى أنّ الخطة التي أقرها مجلس الوزراء تقنية غير مسيسة تحترم القوانين وشرعة حقوق الانسان، فيما تحصر التنسيق مع السوريين بملف النازحين فقط لتأمين المتطلبات القانونية والأمنية لضمان سلامة هؤلاء، كما أنّها تتمتع ببعد دولي يتعلق بالتنسيق مع المنظمات الدولية وكل الجهات الدولية التي ترغب بالمساعدة كالمبادرة الروسية أو الأوروبية. وتعترف المصادر بوجود معوقات كثيرة قد تحول دون ترجمتها بوقت سريع، منها معوقات سياسية أبرزها غياب المظلة الدولية وقانون “قيصر” ومنها مرتبط بالكورونا، ما قد يؤخر تنفيذ عملية العودة كونها لا ترتبط باطار زمني تحدده الحكومة اللبنانية وحدها.
وتؤكد أنّ الخطة تنص على العودة الممرحلة، وعلى عدد من الاجراءات التحفيزية والاعفاءات، وتحترم العودة الطوعية والآمنة، خصوصاً وأنّ الوزير مشرفية استمع خلال زيارته إلى دمشق من المسؤولين السوريين إلى شرح حول شبكة الامان التي تقوم الحكومة السورية بإنشائها لاحتضان العائدين، ما يعتبر مؤشراً ايجابياً على أنّها تقوم بمجهود مضاعف لتحصين العودة، مؤكدة أنّ ثمة شقاً تنسيقياً أمنياً يفترض أن يقوم به الأمن العام، أما التنسيق السياسي فسيكون عبر وزير الشؤون الاجتماعية. ولكن لا مواعيد مجدولة الآن لأي زيارة له الى سوريا.