حُمِّل اجتماع وزراء الخارجية العرب، ولم يكونوا جميعاً بالصفة هذه، المنعقد اخيراً في بيروت اكثر مما يحمّل او يريد ان يحمل، في توقيته وفي ما كان يؤمل منه. لم ينتظر البلد المضيف سوى التئامه بنجاح ومشاركة غير منقوصة
ليس ثمة أهمية في توقيت اجتماع وزراء الخارجية العرب السبت الفائت، ولا كان متوقعاً ان تنبثق منه افكار جديدة او مواقف تنعش لبنان في الظاهر على الاقل. مع ذلك، نُظر الى انعقاده على انه ضرويي كمؤشر الى معطيات يريح استخلاصها الديبلوماسية اللبنانية.
الاجتماع اقرب ما يكون الى «قعدة» منها الى جلسة عمل رسمية. لا اجندة، لا محاضر، لا قرارات، لا وثائق ومدوَّنات. الاهم ان لا جدول اعمال. وهو اقتصر على إدلاء كل من الوزراء العرب بما لدى بلاده من شؤون وشجون يعتبرها مهمة وأساسية بالنسبة اليها يتوخى طرحها على الملأ، دونما ان ينتظر ردود فعل عليها او تعقيباً. ذلك ما حصل بأن عرّج كل من المشاركين على قضاياه، ثم ارفضّ الاجتماع. لم يكن ايضاً مخصصاً للبحث في ملفات القمة العربية المقبلة في الجزائر في الخريف، والمتروكة في الغالب لوزراء الخارجية الذين يدرسون التحضير لها في اجتماعين نصف سنويين عاديين، في آذار وايلول، في مقر الجامعة العربية في القاهرة بجدول اعمال معدّ لهذه الغاية. اما اجتماع بيروت السبت، فلم يعدُ كونه استكمالاً لاجتماعي الدوحة والكويت، مكتفيين بالتشاور. مع ذلك، خرجت الديبلوماسية اللبنانية ببضعة انطباعات في حصيلة اجتماع اليوم الواحد:
اولها، ان لبنان لا يزال على الخريطة الديبلوماسية العربية. لم تقاطعه اي من الدول العربية، بما فيها الناشبة بينه وبينها خلافات ليست قليلة الاهمية او مكتومة لا تزال تراوح مكانها. وقد حضر – الى الامين العام للجامعة العربية – عشرة وزراء خارجية هم نصف المشاركين، الى نواب وزراء او وزراء دولة او مندوبي دولهم لدى الجامعة في القاهرة او سفراء. الا ان كلاً منهم، على تفاوت مستوى التمثيل الرسمي، حضر في نهاية المطاف الى لبنان كي يؤكد استمرار علاقة الجامعة العربية ودولها بالدولة اللبنانية، المختلف عربياً على تقويم تجربتها وانقساماتها الداخلية وهزال نظامها وافلاسها الوشيك ونزاعات دول عربية مع افرقاء لبنانيين، وبعضها جعل من بعض هؤلاء – كحزب الله بالذات – منظمة ارهابية.
ثانيها، ثبّت اجتماع السبت الاعتقاد الشائع باستمرار ربط النزاع بين لبنان ودول الخليج العربية، والاهم من بينها السعودية. لا يسري هذا التعميم على الكويت وقطر اللتين تمثلتا بوزيري الخارجية، بينما قصرت الرياض وابو ظبي على تمثلهما بمندبيهما لدى الجامعة العربية في القاهرة. الا ان ربط النزاع، في ظل عدم حصول اي تطور ايجابي في علاقات لبنان بالسعودية ما خلا ظاهرها العام وهو وجود سفير المملكة في بيروت، اعطى دليلاً اضافياً على ان لا قطيعة بين لبنان ومجلس التعاون الخليجي بعد ازمة الوزير السابق جورج قرداحي بين تشرين الاول 2021 وكانون الاول، ومن ثم استعادة علاقات البلدين مع عودة السفير وليد البخاري في ايار المنصرم. توقف تدهور العلاقات اللبنانية – السعودية بعد اسبوعين هما الاكثر سواداً في سجلهما التاريخي. تأكد في ما بعد – وفي اجتماع السبت – استمرار ربط النزاع بلا مصالحة وتوقف القطيعة المنذرة آنذاك بأسوأ العواقب. الا ان الدليل الآخر على تراجع الحدة هو المساعدة التي قدمتها قطر للجيش اللبناني بقيمة 60 مليون دولار.
سفير اوروبي بارز لبوحبيب: لماذا لا تدمجون النازحين في مجتمعكم؟
ثالثها، رغم معرفة لبنان ان الاجتماع تشاوري يفتقر الى اي صفة تقريرية، الا انه رغب في ايصال صوته الى المجتمعين في الملف الآخذ في الحماوة بينه والغرب منذ مؤتمر بروكسل في ايار المنصرم، وهو النازحون السوريون على الاراضي اللبنانية. ليس العرب فريقاً في هذا الملف، وليس ثمة ما هو مطلوب منهم او معنيون بالاهتمام به، ولا مرجعية لهم فيه تمكنهم من ايجاد حل لاولئك. الا ان من الضروري ان يتطرق الوزير عبدالله بوحبيب الى المشكلة هذه، ويتوسع في شرحها، بغية اطلاعهم اولاً على الموقف المستجد للبنان من النازحين السوريين، واتاحة الفرصة امام الاجتماع التشاوري والمشاركين فيه للاحاطة بما سيسمعون. لم يتوقع بوحبيب رد فعل منهم او اي تعقيب. الا انه اسهب في شرح مقتضيات القرار اللبناني الجديد، المتوافق عليه في الداخل، بازاء ما يعتزم لبنان اتخاذه من اجراءات في ظل الاهمال الغربي المتعمد للمشكلة المتفاقمة في الداخل. اضف رغبة لبنان في حشد تأييد ودعم عربيين اولاً لخياراته الجديدة. قاسم بوحبيب في هواجس النازحين السوريين نظيره الاردني ايمن الصفدي الذي تطرق ايضاً الى مشكلة المملكة معهم، بكلامه عن بطالة بلغت 50 في المئة لدى الشباب الاردني، من جراء النزوح السوري وقارب نحو 300 الف نازح داخل المجتمع الاردني.
رابعها، عارفاً بأن العرب ليسوا المرجعية القادرة على المساعدة في حل مشكلة النازحين، الا ان لبنان استفاض فيها امامهم. المعضلة الحالية هي مع الغرب الذي يرفض الى الآن استجابة مطلب لبنان وضع خارطة طريق لها خواتيمها في معالجة مشكلة النزوح. ما كان في وسع لبنان احتماله منذ الموجة الاولى باندلاع الحرب السورية عام 2011 بات عاجزاً عليه بعد انقضاء اكثر من عقد. فقد مقدرته على استيعابهم، والانفاق عليهم، وانهاكهم قدراته وبناه التحتية واوشك على الانهيار الكامل. في المقابل يمتنع الغرب عن الخوض في المشكلة، قاصراً اياها على استمرار النزاع مع نظام الرئيس السوري بشار الاسد. العرب بدورهم غير معنيين بالنزوح كمشكلة في ذاتها، سواء على اراضيهم او كقضية انسانية واجتماعية، الا انهم الآن – بتفاوت انظمتهم – على طريق التخلص من عدائهم للاسد والانفتاح عليه مجدداً. لا يعاني من النازحين السوريين الا البلدان المجاوران لسوريا وهما لبنان والاردن.
تالياً اعاد بوحبيب في الاجتماع التشاوري تأكيد وحدة الدولة اللبنانية، بعد انقسام طويل بلغ حد التناحر المذهبي، حيال وضع حد لملف النزوح بالاعتماد على قوانينها وانظمتها، مع اظهار الخشية من ان ابقاء النازحين بلا حلول لعودتهم يرمي الى تكريس بقائهم في لبنان بكل ما تعكسه ارتداداته الاقتصادية والاجتماعية وتداعياته الامنية على الداخل وصولاً الى تقويض الهوية الوطنية للبنان. وهو ما يرفضه البلد المضيف وبات يُجمع على التخلص منه، ولن ينتظر الى ما لا نهاية خارطة طريق بروزنامة محددة. الاسوأ في ما كان سمعه بوحبيب من سفير دولة اوروبية كبيرة يسأل عن سبب احجام لبنان عن ادماج النازحين السوريين في مجتمعه. ولم يتردد سفير اوروبي آخر من دول الصف الثاني في التلويح بأن ابعاد لبنان النازحين السوريين عن اراضيه قد يحمل دولته على حجب مساعداتها عنه، مع تلويح باقتداء اوروبي مماثل.