قنبلة خارجيّة موقوتة تهدّد الداخل في توازناته الطائفيّة والديموغرافيّة والسياسيّة
لا شك في انّ ملف النازحين السوريين في لبنان، دخل دروب الصراع منذ بدء الحرب السورية في العام 2011، التي نتج منها لجوء العدد الاكبر من السوريين الى لبنان، إضافة الى الاردن وتركيا، ومن ثم نزوح البعض منهم الى اوروبا بطرق غير شرعية، الامر الذي ادى الى رفضهم ومحاولة إعادتهم، وتوزيعهم على الدول العربية المجاورة لسوريا وخصوصاً لبنان، فكان اول من فتح لهم ابوابه الشرعية وغير الشرعية، تحت ظروف مأسوية للهروب من الحرب.
فتوالت الاعباء على لبنان ومن كل النواحي والقطاعات، بالتزامن مع مصاعب وويلات لبنان وانهياراته الاقتصادية والمالية، ليزيد ملف النازحين الطين بلّة، فيما كان المجتمع الدولي وكالعادة ينظر الى مصالحه الخاصة، فتوالت المواقف والرسائل الدولية والعربية، لإبقاء النازحين في لبنان ومساعدتهم مادياً من قبل الجمعيات الدولية، فيما لبنان تحمّل أوزار تلك القضية وهو الذي لا يستطيع تحمّل أوزار قضاياه العالقة وملفاته.
الى ذلك بدأت الرسائل الدولية تصل تباعاً، فكانت ابرزها في ايار من العام 2016 والكل يستذكر ما قاله حينئذ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ضمن تصريح صاعق حول حق اكتساب النازحين السوريين للجنسيات في البلاد التي نزحوا اليها، اي ما يمكن ان يفتح باب توطين السوريين في لبنان، كردّ على موقف لبنان عبر وزير خارجيته في ذلك الوقت جبران باسيل، وعلى الملاحظات التي كان قد رفعها حول القرار 2254، في الشّق المتعلّق بـالعودة الطوعية للاجئين السوريين الى بلادهم، وكل ذلك جاء للحد من لجوئهم الى أوروبا. وحين علت اصوات المعارضين اللبنانيين لذلك التصريح، جرى استدراك ومحاولة دولية لتلطيف الموقف، بأن تقرير بان كي مون لم يتحدث عن توطين أو تجنيس للنازحين، وبأن حل هذه الازمة لن يكون إلا سياسياً وعندما تسمح الظروف بعودتهم.
في غضون ذلك، يعود هذا الملف كل فترة الى الواجهة، مع صدور مواقف مباشرة وغير مباشرة، وآخرها ما صدر عن البرلمان الأوروبي، الذي صوّت بأغلبية ساحقة على قرار يدعم إبقاء النازحين السوريين في لبنان، فعلت بعض الاصوات الرافضة، فيما حكومة تصريف الاعمال تتلهى بالقشور السياسية، وبالخلافات بين وزرائها على هوية مَن سيترأس الوفد الوزاري الى سوريا، الامر الذي دفع بمصادر سياسية متابعة للملف الى إطلاق المخاوف والهواجس من وجود نيّة لإبقائهم في لبنان، عبر اتفاق عربي- اوروبي، وذكّرت بمواقف المسؤولين الدوليين، حين هدفوا قبل عقود من الزمن الى حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين على حساب لبنان، فأيدت ذلك بعض الجهات السياسية انطلاقاً من منحى سنّي طائفي، فكانت النتيجة ثمناً باهظاً دفعه لبنان واللبنانيون فقط، لكن ومع انتهاء الحرب اللبنانية حصل إجماع بكل الفئات السياسية على رفض التوطين، والتأكيد على حق عودة الفلسطينيين الى ديارهم، بحسب القرارات الدولية لا سيما القرار 194.
ورأت المصادر المذكورة أن التوطين بكل اشكاله وانواعه، يخيف اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين، لكنه يؤدي دائماً الى توحيد مواقفهم الرافضة له، وهذا ما نشهده مع توحيد موقف الاحزاب المسيحية وبصورة خاصة «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر».
واشارت الى انّ لبنان ليس المسؤول الوحيد عن معاناة الشعب الفلسطيني في السابق، واليوم الشعب السوري، فهنالك الدول العربية التي كان همّها الوحيد رفع المسؤولية عنها ووضع لبنان في عين العاصفة، من دون ان ننسى المتاعب اللبنانية من مختلف الجوانب وتأثيرها في مستوى معيشة اللبنانيين، وعدم توافر فرص العمل لهم وانتشار البطالة والهجرة، ومزاحمتهم في معيشتهم، ما انتح انعكاسات سلبية على الاقتصاد اللبناني. مع التذكير بانعكاساتها ايضاً على المنعطفات السياسية الحادة التي يمّر بها لبنان.
ولفتت المصادر عينها الى انّ السلطة اللبنانية، كانت وما زالت مقصّرة في إعطاء الحقوق الاساسية للبنانيين، فكيف تعطيها للآخرين المقيمين على ارضها؟، وبالتالي فمن غير العدل أن تسعى الدولة الى تأمين حاجات النازحين، فيما هي تعاني عجزاً مالياً ضخماً، ولا تكفيها المساعدات الدولية التي تنالها لتأمين حاجات هؤلاء. وشدّدت على ضرورة التصّدي لهذا الملف، الذي يحضّر على ما يبدو على نار هادئة، لان المجتمع اللبناني محكوم بالتوازنات الطائفية، التي تشكل قنبلة موقوتة تهدد لبنان في توازناته الديموغرافية والسياسية الدقيقة.