حان الأوان ليتعامل المسؤولون وسائر القيادات، على مختلف أطيافهم وألوانها، مع النزوح السوري الى لبنان على قاعدة أنه يشكل قضية وجودية ومصيرية، ما يمهد إلى كارثة تصيب اللبنانيين جميعاً، أياً كانت اتجاهاتهم وألوانهم وأطيافهم. ولقد تأخر الوقت كثيراً، ولكنه بات ضاغطاً جداً، ليتم التعامل مع هذه القضية على أنها أزمة الأزمات بكل ما للكلمة من معنى. والذين لا يريدون أن يتعاملوا مع هذه القضية على هذا الأساس هم إما جاهلون أو متجاهلون.
ولم نكن في حاجة الى اغتيال (وهو اغتيال واضح ومباشر وصريح) المرحوم باسكال سليمان لندرك أن النزوح السوري المتعاظم الى لبنان بات أكثر من همِّ اقتصادي واجتماعي وإنساني، إذ هو مسألة وجود بكل ما للكلمة من معنى.
ولا نريد ان ندخل في الأرقام المرعبة، في القطاعات والمجالات والميادين كافة (من أعداد النازحين المتزايدة الى أعداد مواليدهم المتضخمة الى أعداد المواقع التي يشغلونها في سوق العمل على حساب اللبنانيين الى ارتفاع منسوب الجريمة ويقابلها ارتفاع المساجين من بينهم وأيضاً ارتفاع منسوب الفارين من وجه العدالة…). نقول إننا لا نريد أن ندخل في ذلك كله وما يتفرع عنه وينبثق منه من جرائم وكوارث ومضاعفة شدّ الخناق على أعناق اللبنانيين… فقط نريد أن نسأل: لماذا يقف المسؤولون في السلطة وخارجها مكتوفي الأيدي، باستثناء قلة نادرة منهم ازاء الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة؟ ولماذا استطاع التونسي والأردني والمصري والتركي أن لا يرف لهم جفن وهم يدافعون عن حقهم أمام المنظمات الأممية والاتحاد الأوروبي ودوله مع أن ما تتحمله دولهم من أعباء النزوح أقل بأشواط مما يتحمله لبنان؟ ولماذا لا يجرؤ المعنيون اللبنانيون على امتلاك الشجاعة للتمسك بمصالح لبنان وشعبه؟
لقد ارتكبنا، نحن اللبنانيين، خطايا مميتة في بداية وصول قوافل النازحين. ولسنا في وارد فتح الدفاتر التي يجب أن تُفتح ذات يوم في المستقبل… ولكننا في وارد دق ناقوس الخطر، لنقولها بالفم المليان: يا أشباه الرجال خذوا الموقف الذي يحمي ما تبقى من مقوّمات الصمود اللبناني، وما يحفظ في آنٍ معاً كرامة النازحين ولكنكم لستم مسؤولين عنهم، ولأن الواجب يفرض عليكم تقديم مصلحة وطنكم وشعبكم على ما سواها. فلبنان ليس سوريا، والسؤال: أين مسؤولية النظام السوري تجاه شعبه؟ ولبنان ليس الأمم المتحدة، ولبنان ليس الاتحاد الأوروبي، ولبنان ليس جامعة الدول العربية، ولبنان ليس دول المؤتمر الإسلامي… فكيف ولماذا يتنصلّ هؤلاء كلهم من المسؤوليات الوطنية والقومية والإقليمية والإسلامية والدولية والأممية، ليلقوا بها على عاتق هذا اللبنان المنكوب؟ الجواب، ببساطة (ولو جارحة)، لأن ليس من رجال في سدة المسؤولية (الرسمية والوطنية) في لبنان.