Site icon IMLebanon

النازحون… سياسة دَولية أم أزمة العصر؟

ذكر تقرير الأمم المتحدة حول أزمة النازحين أنّه في نهاية 2015 سيشكل عدد النازحين عبر الدول نحو 60 مليون نازح، حيث إنّ هذا المعدّل هو الأعلى عبر الزمن. فهذا ما ينذر بحدوث انفجار ديمغرافي ستكون له انعكاساته على مختلف الصعد.

لطالما لعب موضوع النزوح والهجرة عبر مسار التاريخ دوراً رئيساً في تحديد حركة الشعوب، وفي رسم الخريطة السكانية للعالم. هذه الحركة التي تعرّف من خلال انتقال الشعوب من منطقة إلى أخرى إمّا نتيجة لعوامل كثيرة منها كوارث طبيعية مثلاً، أو تدخل ضمن سياسات لها أبعادها على المدى الطويل.

لقد بات العالم المعاصر يرزح تحت أعباء فرضتها هذه الأزمة، وخصوصاً أنّه يعيش في ظلّ سياسة انفتاحية صنعها نظام العولمة، حيث باتت الحدود مشتركة بين الدول ما جعل من مشكلة النزوح «أزمة العصر».

فها هي ألمانيا- على سبيل المثال- في الآونة الأخيرة تهدّد الدول الأوروبية على لسان وزير خارجيتها بعقوبات اقتصادية إن لم تفتح أبوابها للنازحين. في حين أنّ هناك دولاً أخرى تضع العوائق والصعوبات لمنع دخولهم إلى أراضيها، فكورسيكا اليوم تشهد تظاهرات تحت عنوان «العرب إلى الخارج». هذا وإضافة إلى التقارير اليومية التي تضعها الأمم المتحدة فيما يتعلّق بوضعهم الإجتماعي والصحي والتعليمي.

حقاً هي أزمة العصر وأبرز قضاياه، لأنّ انعكاساتها تطاول جميع الدول، وبدأت تنذر بعواقب وخيمة عليها، ولكنّ تبقى الإشكالية: «هل تدخل تلك الأزمة ضمن سياسات الدول في سبيل تحقيق أهداف مبطّنة؟»

مع تفاقم هذه الأزمة دولياً، تسارعت انعكاساتها السلبية وباتت تهدّد كيانات الدول، خصوصاً تلك التي لا قدرة لها على احتمالها. إلاّ أنّ الانعكاس الأخطر يتعلّق بتدمير القوميات من خلال ضرب الهويات وسحقها وتفتيتها وربطها بالهوية العالمية. تلك الهوية المتفكّكة التكوين، حيث رياح التغيير إقتلعت الفرد من وطنه ومن جذوره الوطنية والقومية ورمت به في مهب رياح الضياع والتشرذّم، ليصبح عنصراً قابلاً لتقبّل كلّ شيء والتأقلم مع كلّ شيء.

هنا تكمن الأزمة بعينها، لأنّ الفرد أصبح مهيئاً ليشكّل رقماً منتجاً في شركات أصحاب القرار، لا قيمة إنسانية له، بل إنه عنصر مستنفذ القوى ومتروك في ساحات العمل وعلى أرصفة الفقر والجوع.

لذلك، وأمام فشل السياسة الإندماجية للدول الحاضنة بسبب الضغط الإقتصادي لهذه الدول وعجزها عن استيعاب أعداد النازحين إليها، ستحوّل الكثير منهم إلى عناصر مشاغبة وإرهابية تهدّد سلامة أمنها، فاعتداءات فرنسا خير دليل على ذلك. كما ستجعل من الحكومات العالمية تستنتزف قدراتها العسكرية والمالية للتفتيش عن بؤر الإرهاب الذي بات تواجده في كلّ مكان.

إنّ العالم اليوم يطرح تساؤلات جدّية حول الأهداف الكامنة وراء السياسات التهجيرية التي تقوم بها الدول صاحبة القرار في العالم. صحيح إنّ وضع النازحين هو مأساة حقيقية تصيب تلك الشعوب التي تنزح إلى البلاد الأخرى، فالغرق في البحر، والتشرّد في شوارع الذلّ والعار، والموت أمام شبح الجوع والبرد والعطش، يضعنا أمام قناعة أساسية تؤكّد أنّ فقراء العالم لا يزالون «كبش محرقة» لسياسات وأطماع أصحاب القرار السياسي.

لقد ذكرت الشواهد التاريخية لمثل تلك الحركات، حيث كانت الدول أصحاب القرار ترتكز على «الترانسفير» للشعوب بغية خلق واقع جديد يتطلّب تهجير السكان الأصليين.

وهذا ما قامت به الدول الكبرى (بريطانيا آنذاك) في أرض فلسطين المحتلة لإيجاد ما يُعرف بدولة إسرائيل. كذلك نرى في الموقف التركي من فتح الحدود أمام النازحين للزحف نحو أوروبا، ليس إلا موقفاً سياسياً يهدف لزيادة الضغط على دول الإتحاد الأوروبي لاتخاذ المواقف المناسبة لسياسة تركيا، وللتسريع في مدّ يد العون إليها، وهذا ما حصل فعلاً في دعمها مباشرة بمليارات الدولارات مقابل وقف هذا النزف البشري إليها.

لهذا يبدو أنّ النازحين اليوم، كما مَن سبقهم، هم ليسوا سوى ضحايا سياسات تجدها الدول لتحقيق أهدافها الخاصة من دون مراعاة مآساة الشعوب ومعاناتها.

من هنا، نرى أنّ هذه الأزمة لن تعرف لها حلاً في الوقت الراهن طالما أنّ للعالم مصالح متداخلة فيما بينها، وطالما أنّ النظرة إلى الموضوع لم تزل سياسية وليست إنسانية. لذا، فالوقائع تنذر بأنّ عام 2016 سيحمل معه المزيد من أزمات للنازحين ستنتج على ساحات دول العالم.

فالمطلوب ليس فقط إعادة هؤلاء إلى دولهم، بل ضبط ولجم أطماع أصحاب القرار إن كانوا رؤوساء دول أم أصحاب شركات عملاقة، لكي لا تدفع البشرية أثماناً أكثر وأخطر في المستقبل القريب والبعيد على حدّ سواء.