Site icon IMLebanon

النازحون… ورقة للسلام أو للحرب ؟!

 

في احداث سنة 1958 الدامية، كان للحكومة السورية في حينها اليد الطولى في اشعال الفتنة بين اللبنانيين، عندما زوّدت المعارضة اللبنانية بالمال والسلاح والرجال، مستغلّة الخلاف الناشب بين المعارضة وبين رئيس الجمهورية يومها كميل شمعون، حول اتهامه بالسعي الى تجديد ولايته التي كانت ستنتهي في بداية خريف العام 1958، وبعد ان ألقت السلطات اللبنانية اثناء الاشتباكات في بيروت والجبل والحدود على عدد من المسلحين من الجنسية السورية، لجأ الرئيس شمعون الى طرد السوريين من لبنان، ونقلهم بوسائل نقل مختلفة الى الحدود مع سوريا، وقدّم شكوى الى مجلس الأمن حول تدخّل سوريا العسكري والأمني في شؤون لبنان الداخلية.

وبما ان التاريخ لا يعيد نفسه، بل يتجدّد بصور وأنماط مختلفة، فان النازحين السوريين الى لبنان في أعقاب نشوب الحرب في بلادهم، يسببون بتدفقهم المليوني وبطول مدّة نزوحهم، كوارث كبيرة أمنية واقتصادية ومالية واجتماعية واخلاقية، كل واحدة منها قادرة على تدمير بلد، وتغيير اوضاعه التي عرف بها منذ الاف السنين، وانا بالتأكيد لا ادعو الآن الى ترحيلهم بالطريقة التي رحّلهم بها الرئيس شمعون في العام 1958، لكنّ المساعي التي تعتمدها الحكومة، او جزء منها، الى اعادتهم الى بلادهم لا تبشّر بالخير وبالفرج، والأمم المتحدة والدول الكبرى ذات التأثير، والعديد من دول العالم، لا يبدو انها مستعجلة او حتى مرحّبة باعادتهم، بل تبذل نشاطات لئيمة مريبة، لتغري النازحين على البقاء في لبنان، كما ان السلطات السورية بدورها تختلق الاعذار وتضع الشروط لاعادة رعاياها الى بلادهم، وكأن لبنان هو الذي استدعاهم واجبرهم على العيش في لبنان، ولتذكير من يربّح اللبنانيين جميلاً بأن سوريا فتحت حدودها امام اللبنانيين ايام الشدّة والحرب، اقول لهم ان اللبنانيين لم يزاحموا السوريين على لقمة العيش، ولم يكونوا بهذه الكثافة السكانية المخيفة، ولم يطلبوا اعانات لا من الدولة السورية ولا من دول العالم.

ان الخلاف بين المكوّنات اللبنانية، سياسياً وطائفياً ومذهبياً، حول تمسّك كل فريق بصيغة معيّنة لحل مشكلة النازحين، يذهب على ما يبدو باتجاه التأزم الداخلي، بما يزيد كوارث النزوح السوري الى لبنان، كارثة جديدة من شأنها اذا لم يمكن ضبطها بالعقل والحسّ الوطني ان تفجّر لبنان، من طريق تفجير الحكومة ومجلس النواب والتفاهم بين الاحزاب على ابقاء الاوضاع ممسوكة، واي تطوّر غير محسوب يمكن ان يؤدّي الى غلبة فريق على آخر، قد يتحوّل الى فتيل لاشعال صدامات، إن لم يكن اكثر، بين اللبنانيين المحقونين والنازحين المتفلتين من كل قيد او رادع.

* * * * *

لا يحق للسلطات السورية، ولا لحلفائها في لبنان، ان يتجاهلوا او يتجاوزوا، ان هناك بحراً من الدم بين فريق لبناني كبير وبين هذه السلطات، لم يجفّ بعد، واذا كانت السلطات راغبة حقاً بعودة النازحين، يكفيها ان تجتمع الحكومة وتعلن في بيان رسمي استعدادها لتأمين عودتهم وتسهيل انتقالهم امّا الى قراهم وبلداتهم، وامّا الى المناطق الأمنية الواسعة المساحات والقادرة على استيعابهم بانتظار وقف الحرب والبدء بورشة الاعمار، ولكن وضع العراقيل امامهم لن يؤدي الاّ الى استمرار معاناتهم ومعاناة اللبنانيين، واستمرار الحرب في سوريا، وربما في لبنان.