لا يستطيع أيُّ لبنانيٍّ المفاخرة بأنه أقدمُ من غيره في دولة لبنان الكبير التي «قطفها» المسيحيون بقيادة البطريرك الياس الحويّك في لحظةٍ تاريخيّةٍ بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ونتيجة تلاقي المصالح مع فرنسا «الأمّ الحنون».
في 1 أيلول 2018، يصبح عمرُ لبنان الكبير الذي وُلد عام 1920 بحفل في قصر الصنوبر 98 عاماً، أي أنه ما يزال طفلاً رضيعاً مقارنةً بأعمار الدول الكبرى التي مرّت عليها أحداثٌ أشدُّ ألماً وحروباً، لكن هذا لا يعني أنّ الكيانَ اللبناني يتّجه نحو مزيدٍ من الانحدار أو الازدهار، خصوصاً أنّ الأزمات الكبرى ما تزال تعصف فيه، لكنه يهتزّ من دون أن يقع حتى اللحظة.
عيّد لبنانُ الكبير عيدَه الـ28 على وقع نكبة 1948 التي انهزمت فيها الجيوشُ العربية أمام إسرائيل، ونزح الفلسطينيون الى دول الجوار ومن ضمنها لبنان.
واحتفل بعيده الـ38 على وقع ثورة 1958 التي كادت أن تطيحَ بأسسِ الدولة نتيجة رغبة قسم من أبنائه بالانضمام الى الجمهورية العربية المتحدة التي نشأت بين سوريا ومصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وعاد العيدُ الـ 49 حزيناً على لبنان نتيجة توقيع لبنان عام 1969 على إتفاقية «القاهرة» التي تنازل بموجبها عن قسمٍ من سيادته لصالح الفدائيّين الفلسطينيين.
وكان العيد الـ55 دامياً، خصوصاً أنّ 13 نيسان 1975 شهد بداية الحرب الأهلية التي دمّرت لبنان وأحرقت أرضَه وآمالَ شعبه.
وفي العيد الـ70 وُلد لبنان من جديد، إذ توقفت الحرب الأهلية عام 1990 بعد توقيع «إتفاق الطائف» عام 1989 وإنهاء ما عُرف بتمرّد العماد ميشال عون في 13 تشرين الأول 1990، لكنّ هذا المولودَ خضع للوصاية السورية طوال 15 عاماً ليتحرّر عن عمر ناهز 85 عاماً بعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 واندلاع إنتفاضة الإستقلال في 14 آذار.
عاد لبنانُ الكبير الى مآسيه في عمر الـ91 بعد اندلاع الأزمة السورية في 15 آذار 2011 وتدفّق النازحين بعدها، وها هي تلك الأزمة تطول وتطول، ولا يبدو أنّ هناك أفقاً لحلّها قريباً.
ويرزح الشعبُ اللبناني تحت وطأةِ الحربِ الاقتصادية بعدما ارتاح من الهمّ الأمني نتيجة صلابة الجيش في المواجهة وضبط الساحة اللبنانية.
بعد 70 يوماً يحتفل لبنانُ الكبير بعيد ميلاده الـ98 وهو يقترب من المئة عام، لكنّ سكّانَ أرضه لم يعودوا شعبَه الأصلي الذي نشأ وكبر وترعرع بين ربوعه، فشعبُه الأصلي، ونتيجة الحروب والأزمات السياسية والإقتصادية المتتالية، بات في الخارج، ومشتَّتاً بين القارّات باحثاً عن لقمة عيشه.
واللافت أنّ هناك قرى بأكملها باتت مخيّماتٍ للنازحين الذين دخلوا منازلها باستئذان، فيها الغريبُ أنّ هؤلاء النازحين الذين هُجّروا من أرضهم السورية يدفعون بدلَ إيجار للبنانيين المهاجرين الى أوستراليا وكندا وأفريقيا وبقية البلدان، وكأنّ القدرَ يلعب لعبته.
وإذا استمرّ الوضعُ السياسي والاقتصادي على هذا المنوال، فإننا سنصل الى عام 2020، ذكرى مئوية لبنان الكبير، وسيحتفل عندها النازحُ السوري واللاجئُ الفلسطيني بهذه الذكرى فيما اللبناني مشرّدٌ في أصقاع الدنيا.
عندما وُلد لبنان الكبير، كانت هناك إرادةٌ دوليّة ممثلة برغبة فرنسا إعطاءَ المسيحيين دولة، وبعدمِ ممانعةٍ بريطانية، أما اليوم فإنّ المجتمع الدولي نفسَه، لا يرغب بإيجاد حلٍّ لأزمة النزوح التي ستقضي حتماً على الكيان اللبناني وتركيبته الهشّة أصلاً، وكأنّ لعبة الأمم تلعب حالياً ضدّ «بلاد الأرز».
ويُجمع المواطنون على أنّ عدمَ وعي المسؤولين السياسيين لخطورة أزمة النزوح ستؤدّي الى الدمار، وفي حال احتفل النازحون بالمئوية، فإنّ البعضَ يتساءل عمّا إذا كانت ستدور حربٌ جديدة بين النازح السوري واللاجئ الفلسطيني للسيطرة على هذه الأرض، فيما يكون اللبناني «قوّة ردع بينهما»؟
المئويةُ تقترب، فيما أظهرت بكركي غضباً كبيراً على عدم مبالاة الدولة بذكرى مئوية لبنان الكبير، وقد شكّل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لجنةً من أجل تنظيم هذه المئوية، بدلاً أن تقوم الدولة بواجبها، وهي التي تسمح للنازح واللاجئ بإطفاءِ شمعة مئوية لبنان الكبير.