IMLebanon

النازحون يُغيِّرون لبنان ديموغرافياً: أيّ عواقب؟

يقول نائب سنّي بارز: «مخطئ مَن يظنّ أنّ السنّة اللبنانيين مستفيدون من التداعيات الديموغرافية للنزوح السوري والفلسطيني إلى لبنان. نحن نخشى العواقب أكثر من أيٍّ كان. ولذلك، يرفع الرئيس سعد الحريري صوته بكل قوة في بروكسل: «لبنان مخيّم كبير للنازحين، ومهدَّد بالانهيار!».

في مطلع الحرب السورية، تدفّق النازحون السوريون عبر الحدود الشمالية والشرقية إلى لبنان. وطبيعيٌّ أن تقوم البيئة اللبنانية شمالاً وبقاعاً باستضافتهم بلا حساب. فلم يكن يفكِّر لا النازحون ولا البيئة اللبنانية المضيافة بأنّ الأمر سيطول أكثر من أسابيع أو أشهر معدودة.

بصراحة أكبر، في الشمال، نزل النازحون السوريون على البيئة المتعاطفة ذات الغالبية السنّية. وأما في البقاع، فانتشروا أولاً أينما كان، ثم بدأوا التمركز تدريجاً في المناطق ذات الغالبية السنّية المتعاطفة، كعرسال وبلدات البقاع الغربي.

فالفترات التي شهدت تفجيرات انتحارية في الضاحية الجنوبية لبيروت والهرمل، بين 2013 و2015، خلقت فتوراً إزاء البيئات النازحة التي جرى إقحامها في العمليات.

واستدعى ذلك تشدُّداً غير مسبوق من الجانب الشيعي، أحزاباً ومجتمعاً أهلياً، تجاه النازحين. وأساساً، هناك تنافر سياسي- في المزاج على الأقل- بين الجانبين على خلفية النزاع السوري.

ودفعت بعض التدابير المتخذة على مستوى البلديات وسواها إلى «نزوح» النازحين من البيئات الشيعية في الجنوب والضاحية وبعلبك – الهرمل نحو البيئات السنّية الأكثر تعاطفاً في لبنان كله: عكار وطرابلس والمنية – الضنية، عرسال والبقاع الغربي، صيدا وعين الحلوة وإقليم الخروب، وبيروت ضمن حدود ضيقة.

أدى تمركز النازحين في عرسال إلى ذوبان البلدة تماماً في البحر السوري. فأهل البلدة باتوا اليوم أقلّية فيها، والغالبية سوريون: نحو 40 ألف عرسالي مقابل 120 ألف سوري. ويزيد من تفاقم الأزمة أنّ جرود البلدة المفتوحة على سوريا واقعة في أسر «جبهة النصرة». وما يُقال عن عرسال ينطبق على مشاريع القاع وبلدات البقاع الغربي.

وأما في الشمال السنّي، فتتحدّث التقارير عن «انتفاخ» ديموغرافي سوري متفاقم، حيث تزداد البطالة بسبب فقدان لبنانيين سوق العمل الضيّق أساساً، وتضخُّم أعداد الطلاب السوريين في المدارس. وتزداد الضغوط على المستشفيات وشبكات الكهرباء والماء وسائر البنى التحتية الضعيفة أساساً.

هذه الصورة هي التي ينقلها لبنان الرسمي إلى الموفدين الدوليين الذين توافدوا أخيراً ونقلوا مطالبهم بتطبيع أوضاع النازحين السوريين، وهي التي يحملها الرئيس الحريري إلى بروكسل. لكنّ النهج الذي يعتمده المجتمع الدولي تجاه الملف لا يبدّد المخاوف.

الركيزة الأساسية لتسوية الملف هي وقف الحرب في سوريا. وبعد ذلك، سيكون ممكناً الدخول في مفاوضات عسيرة، قد تستغرق سنوات، لإعادة ما يمكن إعادته من السوريين إلى بلدهم… ومن الحتمي أن يشارك فيها الرئيس بشّار الأسد، وأن يعترف به المعنيون بالملف، وبينهم لبنان.

ولا أحد يضمن شيئاً من النتائج في أيّ حال، خصوصاً إذا كان الأسد يلعب ورقة قوية هي وجود ربع سكان سوريا في خارجها، وربع آخر تائه في داخلها، فيما النصف المتبقي تحت السيطرة.

توحي المسارات الاستراتيجية في الشرق الأوسط أنّ الديموغرافيا السورية قيد التغيُّر، ومعها ديموغرافيات عدة: ماذا عن لبنان في هذه الحال؟ وماذا عن الأردن ذي الغالبية من أصل فلسطيني أساساً؟ وماذا عن العراق واليمن، وعن تركيا ربما؟

لذلك، هناك خوف حقيقي في لبنان من تَحوُّله «مخيّماً كبيراً» للنازحين. وطبيعي أن يكون السنّة في لبنان هم الأشدّ خوفاً من سواهم.

يقول النائب السنّي البارز: «لم نكد ننتهي من المقولة القديمة: «الفلسطينيون جيش السنّة» حتى وصلنا إلى مقولة إنّ النازحين السوريين هم الذين سيقيمون توازن الرعب المذهبي في لبنان، مقابل سلاح «حزب الله». لا… نحن لا نريد لا هذه ولا تلك!.

في كواليس السياسة كلامٌ خطِر لا يجرؤ أحدٌ على المجاهرة به:

«إذا شاءت الظروف أن تتغيَّر سوريا ديموغرافياً، فإنّ لبنان سيتغيَّر أيضاً، وحتماً. لماذا؟

في لبنان، اليوم، ومن دون احتساب الزيجات المبكرة والولادات الكثيفة في البيئة النازحة، نحو مليونين ونصف مليون سنّي سوري وفلسطيني، غالبيتهم في المناطق السنّية التي لا يزيد عدد سكانها اللبنانيين عن المليون ونصف مليون. وهذا يعني في الدرجة الأولى أزمة ديموغرافية سنّية، لبنانية – سورية – فلسطينية.

سيذهب الشيعة والمسيحيون والدروز إلى تشدّد أكبر في بيئاتهم الغالبة تجاه النازحين الذين سيجدون أنّ البيئة الأفضل لإقامتهم هي البيئة السنّية، فـ«ينزحون» إليها. وهكذا، يقع خلل ديموغرافي كبير على المستوى الوطني أيضاً، له كثير من التداعيات.

ففيما يمتلك الشيعة السلاح، وفيما «حزب الله» يقاتل مع الأسد في سوريا، وفيما بات في لبنان نحو 3.5 ملايين سنّي مقابل 1.5 مليون شيعي و1.5 مليون مسيحي (أرقام تقريبية للتبسيط)، سيكون بديهياً أن يذهب الجميع نحو خيارات حسّاسة: هل يكون لبنان كلّه حليف الأسد أو يتوزّع اللبنانيون خياراتهم الديموغرافية انعكاساً لتوزّع الخيارات في سوريا؟

هنا يظهر الخطر الكبير على لبنان، نتيجة أزمة النازحين. فهل استفاق «تجار النزوح» الذين لطالما صمّوا آذانهم وتعاطوا مع القضية في اعتبارها مجرد «حفنة من الدولارات»؟

سؤال للتاريخ.