IMLebanon

لبنان يعود الى دمشق.. ماذا عن النازحين؟

 

يحضر لبنان الرسمي اليوم في دمشق للمشاركة في مؤتمر مخصّص لعودة النازحين برعاية روسيا، ممثلاً بوزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الاعمال رمزي مشرفية. كذلك يلقي وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال شربل وهبه كلمةً عن بُعد، أسوةً بباقي وزراء خارجية الدول المشاركة في المؤتمر. لكن أبرز الدول الغربية والعربية التي بإمكانها تمويل العودة، غائبة عن دمشق وعن هذا المؤتمر. الأمر الذي يؤكّد، بحسب جهات سياسية عدة، أنّ “لا فائدة” من هذا المؤتمر إلّا “محاولة لتعويم النظام السوري”، في مقابل تعويل لبناني رسمي على “النيّة الروسية” في إيجاد مصادر تمويل بديلة لتحقيق “حلم العودة”.

تؤكّد مصادر شاركت في الاجتماع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوفد الروسي الذي زار بيروت أخيراً، أنّ الوفد أبلغ الى عون أنّ هناك إمكانية لإيجاد تمويل لعودة النازحين السوريين من بعض الدول، ومنها أوروبية، فضلاً عن إمكانية إعادة نازحين الى مناطقهم غير المتضرّرة. إلّا أنّ رئيس ديبلوماسية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أعلن أمس، أنّ دول الاتحاد لن تشارك في المؤتمر الدولي حول اللاجئين والنازحين الذي يُعقد في دمشق اليوم وغداً، معتبراً أنّ “الشروط الحالية في سوريا لا تشجّع على الترويج لعودة طوعية”.

 

لا مشاركة أوروبية

رفض دول الاتحاد الأوروبي الدعوة الى المشاركة في هذا المؤتمر، لا ينطلق، بحسب مراقبين، من أنّه منعقد في دمشق فقط، بل يشير الى أنّ لا نيّة في دعم أي تمويل لإعادة النازحين في ظلّ حكم نظام بشار الأسد، وقبل إنتاج حل سياسي للأزمة السورية. فحتى الرئيس السوري، اعترف أنّ العودة يعوقها غياب التمويل، وقال في اتصال الكتروني مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الأول، إنّ “العقبة الكبرى أمام عودة اللاجئين هي الحصار على سوريا”، في إشارة الى العقوبات التي تفرضها دول غربية على بلده، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية. كذلك قال الأسد، إنّ “إعادة اللاجئين في حاجة إلى تأمين الحاجات الأساسية الضرورية لمعيشتهم كالمياه والكهرباء والمدارس إضافةً الى تحريك الاقتصاد”.

 

هذا الحل السياسي لا يُمكن لبنان أن ينتظره، خصوصاً بعد تجربة اللجوء الفلسطيني، فضلاً عن وضع لبنان الإقتصادي والاجتماعي وعدم قدرته على تحمّل أعباء النزوح السوري، الذي تخطّت كلفته المباشرة وغير المباشرة على لبنان الـ40 مليار دولار بحسب صندوق النقد الدولي، مقابل دعم دولي للإستجابة للنزوح، بالكاد وصل الى 8 مليارات دولار. الى ذلك، إنّ لبنان أمام خطر “الزوال” بحسب ما قال وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان، وهو على شفير الإفلاس والهاوية، حيث من المرتقب رفع الدعم عن المواد الأساسية، والتي يستفيد منها النازح السوري. وعند رفع الدعم، لن يعود بإمكان ما يفوق المليون ونصف مليون نازح سوري موجودين في لبنان، شراء “ربطة الخبز” حتى، الأمر الذي قد يدفعهم الى التطرف والعنف، وقد يخلق توتراً بينهم وبين اللبنانيين، بحسب جهات لبنانية رسمية.

 

عون

بالنسبة الى الرئيس عون، إنّ عودة النازحين “همّ رئيسي” يحمله بإستمرار منذ بداية عهده، وهو لا يكف عن مطالبة المجتمع الدولي بتأمين هذه العودة، فضلاً عن اعتباره، أنّ التنسيق بين لبنان وسوريا ضروري لتأمين هذه العودة، في ظلّ لامبالاة المجتمع الدولي، وبعد تعثُّر المبادرة الروسية الأولى في هذا الإطار، بسبب عدم تعاون دول الغرب.

 

وتقول مصادر فريق عون، إنّه جرى اختيار مشرفية ليمثّل لبنان في المؤتمر المنعقد في دمشق اليوم وغداً لـ”أننا معنيون بالموضوع مباشرةً، فيوجد على أرضنا مليون ونصف مليون نازح سوري، يستفيدون من موادنا المدعومة، ويُشكّلون ثلث عدد سكان لبنان. وهذه قضيتنا ولم يعد بإمكاننا تحمُّل النزوح أو انتظار أي حلّ”. ورداً على الأصوات المعترضة على هذا التمثيل السياسي للبنان في المؤتمر الى جانب النظام السوري في ظلّ العقوبات المفروضة عليه ومقاطعة دول غربية وعربية له، ما يؤثر على علاقة لبنان مع هذه الدول “المتزعزعة” أساساً، تقول المصادر نفسها: “يجب أن يشارك لبنان ليدافع عن قضيته وموقفه، ولكي يشرح وجهة نظره أمام الدول المشاركة ودول الجوار. هذه مصلحتنا الوطنية، والدول الغربية تغدق علينا الوعود من دون أي فعل، فهل نقف متفرجين؟”.

 

“حزب الله”: النظام لن يسقط

وكان لبنان الرسمي عمل على تأمين العودة الطوعية للنازحين عبر الأمن العام اللبناني، قبل أن تحلّ جائحة “كورونا” وتقفل الحدود. بدوره عمل “حزب الله” على هذا الخط بالتنسيق مع دمشق. ويقول مسؤول ملف النازحين في “الحزب” النائب السابق نوار الساحلي، أنّ “مجرد انعقاد مؤتمر دولي بطلب ورعاية من روسيا الدولة الأكثر تأثيراً في سوريا، والتفكير بعودة النازحين، هو أمر إيجابي، يفتح الباب جدّياً أمام البحث عن تمويل العودة”.

 

وعلى مستوى التمويل، يشدّد الساحلي، أنّ على “الأمم المتحدة والمفوضية العليا للاجئين التي تدّعي أنّها تعمل لمصلحة النازحين، إلّا أنّها تعمل على إبقائهم في دول النزوح، أن تنقل الدعم الذي تمدّهم به الى الداخل السوري لتشجيعهم على العودة، وعلى الدولتين السورية واللبنانية والدول المعنية إلزامها بذلك وبالتالي بالقيام بدورها الفعلي”.

 

وإذ يؤكّد أهمية “التنسيق بين لبنان وسوريا بلد المنشأ للنازحين”، يشير الى “أمر إيجابي، وهو أنّ مئات النازحين يعودون الآن الى بلدهم فرادى، بعد تسهيل هذه العودة من دمشق عبر تأجيل خدمة العلم وإصدار قوانين عفو وخطوات تسهيلية أخرى”. وعن رفض البعض التنسيق بين لبنان وسوريا، يشير الساحلي الى أنّ هذا التنسيق حصري في ملف النازحين، الذي يشكّل مصلحة وحاجة ملحّة الى لبنان، مشيراً الى أنّ “أكثرية الدول تحاول التواصل مع النظام السوري من تحت الطاولة”. ويقول: “ما كانوا يفكرون فيه منذ عام 2011 انتهى، ففي ذروة المشكلات، حيث كان ما يقارب الـ70 في المئة من الأراضي السورية خارج سيطرة الدولة لم يسقط النظام، والآن بعدما باتت 80 في المئة من الأراضي بيد الدولة هل سيسقط النظام؟”.

 

كلمة مشرفية

التنسيق اللبناني – السوري في ملف النازحين بات “شرعياً”، بعد خلافات لبنانية حول هذا الأمر، وذلك من خلال خطة عودة النازحين التي أقرّتها حكومة الرئيس حسان دياب في 14 تموز الماضي. هذه الخطة سبق أن عمل عليها وزير شؤون النازحين صالح الغريب في حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة وأكملها مشرفية، وتشمل التنسيق مع دمشق. ويبدو أنّ مشكلات كثيرة ما زالت تفرض نفسها أولوية على هذه الخطة، منذ حكومة الحريري، وبعد أن أقرّتها حكومة دياب، حصل انفجار المرفأ في 4 آب الماضي وتلته استقالة الحكومة في 11 منه، ما عرقل تأليف اللجان المولجة تنفيذ هذه الخطة.

 

هذه الورقة اللبنانية حملها مشرفية معه الى دمشق، حيث سيلقي كلمة لبنان خلال المؤتمر، وسيشرح في 5 دقائق الوضع العام للنازحين في لبنان وكلفة النزوح، إضافةً الى أهمية العودة وأسبابها، ومنها أًنّ لبنان يرزح تحت الأثقال والأزمات، حيث أنّ 60 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر وأكثر من 80 في المئة من النازحين السوريين تحت خط الفقر المدقع، فضلاً عن أنّ الدستور اللبناني يمنع التوطين، وبالتالي إنّ الحل المستدام والنهائي لأزمة النازحين يقضي بعودتهم الآمنة الى بلدهم الأم، إضافةً الى الأثقال المترتبة من النزوح وكلفته، في ظلّ غياب الدعم الدولي اللازم. الى ذلك هناك مصلحة سورية للعودة، وسيذكر مشرفية أنّ فرص العمل في لبنان باتت نادرة وتفوق نسبة البطالة الـ40 في المئة، وهناك فرصة في سوريا للنازحين للعودة الى مدنهم وقراهم وأن يساهموا في إعادة إعمارها، خصوصاً أنّهم يعيشون في ظروف غير انسانية في المخيمات في لبنان، وإنّ انعدام فرص العمل والفقر يؤثران على الأمن الاجتماعي والاستقرار الداخلي في لبنان.

 

الى ذلك سيطرح مشرفية ضرورة إقرار خطة عمل واحدة، إضافةً الى خطوات تنفيذية سورية لتذليل العقبات أمام النازحين لتحفيزهم على العودة. وسيتحدث أيضاً عن التنسيق بين لبنان وسوريا، بالتعاون مع المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، وفق الخطة التي أقرّها مجلس الوزراء.

 

ويشدّد المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة الدكتور عاصم ابي علي، على أنّ “ترك مليون ونصف مليون نازح سوري يعيشون في بلد لا فرص عمل فيه ولا يمكن أن يأكلوا عند رفع الدعم، يعني رميهم في العنف والتطرف”. ويشدّد على “أهمية إشراك المجتمع الدولي والأمم المتحدة في ملف العودة”، معتبراً أنّ “هذا المؤتمر بداية لعملية عودة النازحين، وسيفتح الباب أمام فرص أخرى، ويجب أن يُستثمر ويُفعّل بخطوات ومبادرات لاحقة، تعمل على خطط عمل واضحة وتنفيذية في اتجاه تحقيق العودة”.

 

طريق العودة

في المقابل، تعتبر جهات معارضة، أنّ كلام الأسد يدحض ما يسوّق له البعض في لبنان، عن أنّ التنسيق يؤمّن العودة، إذ إنّ الأسد أكّد أنّ العودة تتطلب “المال”. وتبدي هذه الجهات اقتناعها أنّ “النظام السوري الذي هجّر نصف الشعب السوري الذي قد ينتخب ضدّه، لا يريد عودته، إنما الأسد يستخدم السوريين مرة أخرى ورقةً سعياً الى تمويل النظام وآلته العسكرية”. وتؤكّد أنّ “مؤتمر دمشق ليس طريق عودة النازحين في ظلّ الحصار والعقوبات الدولية على النظام، بل الطريق الوحيد هو الإرادة والتمويل الدوليين، ولن يتظهرا إلّا بعد إرساء الحلّ السياسي”.