فتحَ خطف وقتل منسق حزب القوات اللبنانية في جبيل المغدور باسكال سليمان، صفحة جديدة سوداء في سجل التعاطي اللبناني مع ملف النازحين السوريين، بحيث بات المطلب الرسمي والسياسي والشعبي الاساسي معالجة هذا الملف بهدف إقفاله لا المماطلة به اكثر، عبر القبول بفتات المساعدات الدولية التي تصل الى لبنان لدعم استيعاب النزوح.
ليس جديداً وجود عصابات قتل وسرقة وخطف من بين مئات آلاف النازحين السوريين في لبنان، فالسجون اللبنانية مليئة بأفرادها ونسبتهم من بين كل المساجين تتجاوز 30 بالمئة، وبين اعضاء كل عصابة بات هناك الكثير من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، واحياناً قليلة من جنسيات اخرى. لكن الامر الخطير الذي شاع مؤخراً وأدخَل الهلع في نفوس المواطنين هو تجاوز المجرمين السوريين كل الحدود الاخلاقية بعد الاحتضان اللبناني الواسع للنازحين منذ بداية الحرب في سوريا، وعدم اكتراثهم بوجود الدولة اللبنانية واجهزتها العسكرية والامنية وتجرؤهم على مواجهتها بالسلاح ومحاولة كسر هيبتها مرات كثيرة.
وقد لفت الانتباه امس كلام وزير المهجرين المكلّف من الحكومة متابعة الملف مع السلطات السورية الدكتور عصام شرف الدين، عن «وجود 20 الف مسلح في مخيمات النازحين بينطِلْبوا في ساعة الصفر». وقبله كان لوزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار كلام يحمل دلالات خطيرة ايضاً، مَفاده «ان الأوروبيين أبلغوه خلال جولته الأوروبيّة الأخيرة بتخفيض سقف المساعدات الماليّة للنازحين السوريين المقيمين في لبنان، وإنّ مسؤولاً فرنسياً في الاتحاد الأوروبي كاشَفَه بأنّ مصير السوريين في لبنان سيكون مماثلاً لمصير اللاجئين الفلسطينيين، وعلينا كلبنانيين أن ننسى الحدود التي رسمتها فرنسا وانكلترا، فسايكس ـ بيكو يُعاد رسمه في المنطقة مع تغيير ديموغرافي في لبنان»!
كما انّ رئيس الحكومة ووزير الخارجية سَبق وسمعا خلال زياراتهما الى دول اوروبا ومن مفوضية شؤون اللاجئين، كلاماً يفيد بأنه لا يمكن اعادة النازحين الآن الى سوريا بحجة عدم الاستقرار، قبل ان يقتنع الجميع بوجود مناطق واسعة آمنة في سوريا لكنّ الازمة الاقتصادية هي التي تضيّق على خناق السوريين.
كلام الوزيرين المعنيين بملف النازحين يسلّط الضوء اكثر على تفاقم مشكلة النازحين وتحوّلها الى قضية وطنية وليس مجرد قضية امنية او انسانية، او حتى اقتصادية بالنسبة للنازح الذي لا يجد عملاً في سوريا نتيجة أوضاعها الاقتصادية وكأنّ وضع لبنان الاقتصادي والخدماتي أفضل؟ وهذا الامر بات يطرح على الحكومة، وبخاصة على رئيسها نجيب ميقاتي، البدء بتنفيذ خطة عودة النازحين التي أقرّها مجلس الوزراء السنة الماضية وتوقّف تنفيذها بطلب من الدول الغربية، مُرفقاً بتهديدات بقطع كل المساعدات (الشحيحة أصلاً) واتخاذ إجراءات بحق لبنان، تحت عناوين حقوق الانسان وحق اللجوء ومساواة السوري النازح وغير النازح باللبناني في العمل والاقامة… الى ما هنالك من خطط ومشاريع باتت تهدّد لبنان على كل المستويات.
وجاءت جريمة خطف وقتل سليمان لتزيد حماوة هذا الملف والضغط على الحكومة، بهدف وقف التلكؤ ومسايرة دول الغرب على حساب مصلحة لبنان وشعبه بالامن والاستقرار. ولعل استفاقة بعض المسؤولين الكبار والقوى السياسية المتأخرة على ضرورة إقفال الملف، أفضل من بقائها في موقع الساكت او المؤيّد لبقاء السوريين، وهو الموقف الذي طالما حملوه في بدء الازمة السورية وبدء تدفق النازحين بالعشرات وقتها فقط، قبل ان يصيروا بالمئات ثم بالآلاف ثم مئات الآلاف، بحجّة «انّ اعادتهم الى سوريا، لا سيما المعارضين منهم، تشكّل عليهم خطراً من النظام».
امّا وقد وقعَ المحظور الخطر الذي تم التحذير منه قبل سنوات، لكنّ الحكومات ادارت له «الاذن الطرشاء»، فإنه باتَ من الواجب والضرورة الوطنية ان تبادر الحكومة الى خطوات سريعة على خطين: خط التشدد الامني مع السوريين غير الشرعيين وترحيلهم فوراً، وخط تكثيف قوافل العودة ولو القسرية بالنسبة لغير الشرعيين وغير المسجلين في داتا الدولة ومفوضية اللاجئين.
اما لجهة الامن، فقد اكتفى الوزير هيكتور حجار بالقول لـ»الجمهورية»: ان الموضوع الامني للنازحين بِيَد الاجهزة العسكرية والامنية لا بِيد الحكومة، وبالنسبة الى موقفي حول الاجراءات المطلوبة فقد قلتُ ما قلته مراراً وهو معروف.