بدأ لبنان – ولو متأخّراً جداً وعلى نحو ضيّق- تطبيق بعض القوانين التي ترعى وجود الأجانب في لبنان، من لاجئين وعمال واخيراً نازحين سوريين، بعدما تأكّد انّ ما يُسمّى المجتمع الدولي لا يريد، وبقرار سياسي، إعادتهم او تقديم الدعم المالي والعيني اللازم والكافي للدول المضيفة، ولا تقديم الدعم لهم في سوريا، ولا مساعدة سوريا على إعادة إعمار ما تهدّم خلال الحرب الكونية عليها طيلة أحد عشر عاماً، ليعود النازحون إلى قراهم.
الموقف الدولي السلبي تأكّد الاسبوع الماضي، خلال جلسة إحاطة في الامم المتحدة حول الوضع في سوريا، على هامش اعمال الجمعية العامة، برئاسة مندوب إلبانيا، حضرها مندوب لبنان السفير هادي هاشم، حصلت «الجمهورية» من مصدر رسمي على بعض وقائعها، وتحدث فيها ممثل الامم المتحدة في سوريا غير بيدرسون، ومسؤولة الشؤون الإنسانية ايديم وسورنو، ومندوبو الدول الكبرى اميركا وروسيا والصين وفرنسا، و مندوبو سوريا وسام الصباغ، وتركيا وايران من دول الجوار السوري. وهي جلسة شهرية تُعقد لبحث مسار الأوضاع في سوريا، لاسيما مسار الحل السياسي المتوقف نتيجة التعقيدات والشروط السياسية الغربية التعجيزية المحيطة به.
وقدّم بيدرسون ووسورنو تقريريهما حول الوضع في سوريا، من النواحي السياسية والاقتصادية والمعيشية والانسانية والصحية والتربوية وغيرها، وجرى نقاش تفصيلي كانت خلاصته: تمسّك الدول الغربية بموقفها حول عدم عودة النازحين السوريين، بحجة انّ الوضع ما زال غير مستقر، وأن لا إعادة إعمار للمناطق المهدّمة والمتضرّرة والبنى التحتية، طالما لم يتمّ الحل السياسي المطلوب من دول الغرب.
وكانت المفارقة، انّ المندوب الفرنسي كان من بين الدول التي رفضت العودة وإعادة الإعمار، برغم ما يتركه الامر من انعكاسات سلبية على لبنان لجهة زيادة الأعباء الاقتصادية والمعيشية والأمنية والخدماتية عليه، بينما كان الموقف الروسي والصيني متشابهاً لجهة طلب انسحاب القوات الاميركية من شمال شرق سوريا، ودفع تعويضات لسوريا عن النفط الذي سحبته اميركا خلال 10 سنوات وتبلغ قيمته نحو 115 مليار ليرة، كافية لتتمكن سوريا من إعادة إعمار مناطقها وإعادة النازحين وتحسين الاقتصاد.
اما موقف المندوب السوري فيمكن تلخيصه، بأنّ «سوريا غير جاهزة عملياً لاستعياب أعداد كبيرة من النازحين في عدد من المناطق، نتيجة دمار البنيان والمرافق العامة والبنى التحتية فيها، ومن دون دعم عربي ودولي لإعادة الاعمار وتأمين الاحتياجات الأساسية، لا إمكانية لإعادتهم.
الخلاصة والمطلوب
وتستنتج مصادر متابعة عن قرب للملف، من خلاصة المناقشات، انّ مواقف الدول من الأزمة السورية وعودة النازحين ما زالت هي ذاتها، ولا إعادة نظر فيها حالياً، ولا تطورات إيجابية في مسار الأزمة، ما يعني في ظلّ الحصار الغربي المفروض على سوريا، مزيداً من تدهور الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية، وبالتالي مزيداً من تدفق النازحين إلى لبنان، طالما انّ دول الجوار السوري الاردن والعراق وتركيا أقفلت معابرها وحدودها، بينما حدود لبنان متراخية، وتهريب البشر الذي تقوم به المافيات اللبنانية والسورية، قائم وناشط.
وبحسب المصادر، فإنّ المطلوب في هذا الجو الدولي السلبي الضاغط على لبنان، اعتماد السلطات اللبنانية مقاربات وطنية موحّدة لملف عودة النازحين، يذهب بها لبنان عبر ورقة عمل واضحة وتفصيلية وعملية براغماتية، وبموقف متشدّد، إلى المجتمع الدولي لمواجهته، وطلب العمل المشترك لإعادة النازحين الى بلادهم، او اعتماد الحل الذي اعتمدته دول كثيرة مثل كندا والمانيا وايطاليا وفرنسا وسواها، بإعادة توطين «اللاجئين» كما يسمّونهم في بلد آخر غير سوريا ولبنان. ووضعت خططاً استيعابية لهم حسب حاجاتها وظروفها وامكانياتها، بينما ترك المجتمع الدولي العبء الأكبر على بلد صغير كلبنان، لا يستوعب اكثر من 200 الف نازح، فيما تجاوز العدد المليونين.
وتضيف المصادر: انّ الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب رفعا الصوت خلال وجودهما في الامم المتحدة الشهر الماضي، لكن رفع الصوت لم يعد يكفي، ويجب وضع خطط جديدة لمواجهة ازمة النازحين وفرضها على المجتمع الدولي بطريقة واقعية، ومن دون خلفيات وردّات فعل عنصرية او أمنية.