كان بدّها جرأة! قال رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مسجلاً للحكومة اقرارها “خطة عودة النازحين السوريين”. لو حصل مثل هذا الامر في عهد الحكومات السابقة “كنّا وفّرنا كتير عالبلد”، وفق رأي باسيل الذي يعتبر ضمناً أن ملف النازحين يشكل سبباً من أسباب حصار لبنان في الوقت الراهن. وبالفعل شكل إقرار الخطة خطوة متقدمة على سكة حل أزمة النازحين التي باتت، وبعيداً من شقها الانساني، ترهق لبنان. لا سيما وسط ما يعتري هذا الملف من فوضى في الارقام والوقائع وانعدام الرؤية في التعاطي ما حرم الدولة من امكانية الاستفادة من الاموال التي تقدم على سبيل مساعدات للنازحين. والغريب هنا ان المال الذي يدفع انما يدفع مباشرة الى المنظمات الدولية وللسوريين النازحين بدل ان يدفع للدولة وتحسن هي ادارته. ونحن نتحدث هنا عن مبلغ يفوق المليار و100 مليون دولار، يذهب جزء اساسي منه الى المنظمات الدولية ولجمعيات موجودة في لبنان من دون المرور بالدولة. فهل يمكن ان يحصل مثل هذا الامر في الاردن او في تركيا مثلاً؟
الامر الثاني الذي يترتب نقاشه في ضوء تنفيذ الخطة هو هل سيلاقي المجتمع الدولي لبنان الى تنفيذ خطته وهو يعتبر ان العودة قرار سياسي قبل اي شيء آخر. يؤكد المجتمع الدولي أن عودة النازحين السوريين الى بلادهم مبنية على شروط ثلاثة أساسية وهي تأمين عودة طوعية وآمنة وكريمة، ومن حيث المبدأ لن يتم تمويل للبنى التحتية في سوريا اذا لم يكن هناك نظام “موثوق” به في سوريا وفق تعبيرالادارة الاميركية وحلفائها. هذه العوامل قد تدفع الى توقع عرقلة المجتمع الدولي لعودة النازحين السوريين، ولذا هو ضمنا يعتبر ان مثل الخطة التي أقرتها الحكومة قد لا تكون ايجابية على حد قول أحد المسؤولين الدوليين المعنيين بهذا الملف.
ومن ناحية النازحين ينقسم هؤلاء الى عدة فئات: فريق لا يريد العودة وقد تأقلم مع ظروف الحياة في لبنان وهؤلاء من فئات الشباب والنساء ما يسقط شرط العودة الطوعية عنهم، وفريق ثان حوله علامات استفهام ويتخوف من العودة، وفريق ثالث يريد العودة لكنه سيبقى طمعاً في المساعدات التي ينالها في لبنان. والأصعب حين نعلم ان بعض الدول طلبت من لبنان أخيراً تسهيل إقامة السوريين وتخفيف بعض الرسوم عن كاهلهم كشرط مقابل المساعدات، ما يؤشر الى وجود نية دولية بعدم تسهيل العودة. وأخيراً بات تحويل الاموال يحصل مباشرة (كاش ترانسفير)، يستفيد منه اللبناني كي يبرر مساعدة السوري ويتجنب خلق حساسية بين اللبناني والنازح السوري.
وإذا كانت الخطوة بذاتها تحتسب ايجابية لصالح الحكومة وداعمي طرح الملف، إلا ان اقرارها لا يلغي ضرورة طرح جملة تساؤلات قد تفيد الاجابة عليها في التعرف الى مدى الجدية في التعاطي، ومن بين هذه الاسئلة: هل تمت مناقشة الملف مسبقاً مع السوريين؟ فحين نتحدث عن خطة بمثابة استراتيجية يستوجب ذلك التوافق عليها مع الطرف الآخر. وهل تم اشراك الادارات المعنية بها، وخصوصاً ادارة الشؤون الاجتماعية المعنية بالملف مباشرة والتي لم تطلع على نسخة عن الخطة ولم تعلم بمضمونها مسبقاً. وبعيداً من الجانب التقني الذي تنص عليه الخطة، ولكن يفترض ان يعكس ملف النازحين سياسة الدولة والحكومة لا ان يستمر تحت ادارة مجموعة مستشارين يتقاضون رواتبهم من المنظمات الدولية.
لندع الشق الانساني جانباً ولكن الا يفترض تنظيم ادارة هذا الملف تمهيداً للشروع في تنفيذ خطة العودة؟ يؤكد مصدر معني بادارة هذا الملف ان الحكومة شكلت لجنة لوضع الآلية العملية للخطة موضع التنفيذ، بإصرار من رئيس الجمهورية على وضع هذه الآلية بأسرع وقت ممكن، على ان تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بالتنسيق مع الامن العام والجهات والمؤسسات المعنية حول المراحل التطبيقية. وقالت ان أولى الخطوات ستكون بتسجيل زيجات النازحين والاولاد مكتومي القيد بحيث تمّ تقديم التسهيلات اللازمة، لكن أعداد المتقدمين جاء متدنياً مقارنة مع ما تفصح عنه الدراسات من وجود نحو 70 بالمئة من الولادات مكتومي القيد. واذا استكملت هذه الخطوة فتكون الدولة قد سجلت انتصاراً لمصلحة النازح. ويشير المصدر عينه الى أن المسألة يلزمها وقت، ولكن المهم وضع العودة على سكة التنفيذ.
ويبقى شق آخر وأساسي وهو هل تشكل هذه الخطة مدخلاً الى فتح مفاوضات مباشرة مع الحكومة السورية أم ان “قانون قيصر” سيكون امام تنفيذها بالمرصاد؟ مجموعة عناصر تدفع الى مثل هذا السؤال. أولها استبعاد ان يقر لبنان خطة لتأمين عودة النازحين من دون تشاور مسبق مع الجهات المعنية في سوريا. وبالنظر الى كون الملف في عهدة حلفاء سوريا فالتوقعات قد تكون ايجابية هنا، خصوصاً وان المعلومات تفيد بأن الوزير رمزي مشرفية بحث قبل مدة مع وزير الادارة المحلية السورية أجواء الورقة وتبلغ منه استعداد بلاده لكل الاحتمالات، لكن أمر العودة يلزمه تنسيق مباشر بين الحكومتين. فهل تذهب الحكومة في جرأتها بعيداً بحيث نشهد انطلاقة قريبة نحو مثل هذه المفاوضات؟