للسنة الثانية على التوالي، سيتابع أبناء إبراهيم عبد المنعم الأربعة تعليمهم «أونلاين» من منزلهم الذي يبعد عشرات الأمتار عن مدرستهم المقفلة في بلدتهم عيترون (قضاء بنت جبيل). رغم القصف اليومي الذي تتعرّض له البلدة الحدودية، قرّر عبد المنعم البقاء مع عائلته في البلدة التي نزحت غالبية سكانها. ومن أماكن أبعد، سيتابع معظم طلاب المنطقة الحدودية دراستهم بالطريقة نفسها مع استمرار قرار إقفال المدارس في بلدات الحافة الأمامية. وإذا كانت قلة من أولياء الأمور، كعبد المنعم، اختارت البقاء في البلدات التي تتعرض للاعتداءات اليومية، فإن كثيرين نزحوا لحماية أطفالهم من الخطر ولإنقاذ عامهم الدراسي عبر إلحاقهم بمدارس أخرى حضورياً.في العام الدراسي الماضي، أُجبر حسن رضا، بعد صمود استمر شهرين في بلدته عيتا الشعب، على الخروج بأطفاله الستة إلى دير قانون النهر (قضاء صور)، حيث التحقوا بالمدرسة الرسمية إلى جانب متابعتهم الدراسة عن بعد مع مدرستهم الأم. «بعد ثلاثة أشهر، طلبت إدارة المدرسة من أطفالي التوقف عن الحضور والتفرغ لمتابعة الدراسة أونلاين في مدرستهم الرسمية في عيتا الشعب»، على «أمل انتهاء العدوان والعودة إلى منازلنا». لكنّ أمد العدوان طال ودُمّر منزل رضا في غارة إسرائيلية، و«صرت مجبراً على البقاء حيث نزحت حتى لو توقفت الحرب الآن. لذلك، طلبت تسجيل أطفالي حضورياً في مدرسة دير قانون النهر. لكنّ المديرة اشترطت دفع رسوم تسجيلهم ونقل ملفاتهم من مدرسة عيتا إلى مدرسة دير قانون، بما يستلزم استصدار إفادات مدرسية وإخراجات قيد. وكل تلك الشروط متوقّفة على احتمال إيجاد مقاعد للنازحين بعد تسجيل طلاب المنطقة». المأزق نفسه يواجه 70 طالباً من عيتا الشعب نزحوا إلى دير قانون النهر، إضافة إلى نحو 40 طالباً آخرين نزحوا من بلدات حدودية مجاورة، إذ ليس أمام هؤلاء مفر من الالتحاق بالمدارس الرسمية في المناطق التي نزحوا إليها، لعدم قدرتهم المادية على التسجيل في المدارس الخاصة».
يوم أمس، أرسلت بلدية بليدا (قضاء مرجعيون) رسالة إلى أولياء أمور طلاب المدرسة الرسمية، طالبة منهم التواصل مع الإدارة لتسجيل أبنائهم، إما لمتابعة الدراسة فيها عن بعد أو للالتحاق عبرها بمدرسة رسمية أخرى. ابن البلدة هشام حسن والد لطالبين في مدرسة بليدا نزح مع عائلته إلى السلطانية (قضاء بنت جبيل). منزله تضرّر وليس صالحاً للسكن، وهو عاطل عن العمل منذ 11 شهراً، و«في حال لم تتكفل الدولة أو الجمعيات بدفع رسوم التسجيل والنقل والقرطاسية، لن أسجّل ولدي في المدرسة».
أهالي كفركلا الذين نزح معظمهم، تعيش عشرات العائلات منهم حيرة تجاه مصير العام الدراسي لأبنائها. المعلمة في مدرسة كفركلا الرسمية منى عواضة استعرضت نماذج من الضياع واللااستقرار، ولا سيما لدى أولياء الأمور الذين خسروا منازلهم جراء الغارات، ما يرجّح بقاءهم في أماكن النزوح لوقت أطول. «الغالبية اختارت الجمع بين الدراسة أونلاين في المدرسة الأمّ والحضور في مدرسة رسمية موازية حيث نزحت». وعزت خيار الارتباط بمدرستين إلى «ضرورة أن نكون جاهزين للعودة إلى كفركلا إثر توقف العدوان. وهو قرار محسوم حتى لدى من دُمّر منزله مثلي. سأعود فوراً ومثلي كثر. وهناك نتدبّر أمر إيجاد منزل إلى حين إعادة الإعمار».
عدد قليل من المدارس الخاصة الحدودية، افتتح فروعاً في بلدات أكثر أمناً لاحتضان الطلاب النازحين. لكنّ الوضع لا يشجّع الكثيرين على تكبّد تكاليف باهظة لتسجيل أبنائهم في مدارس خاصة قد لا يكملون فيها العام الدراسي كله.