يؤكد قانونيون متخصصون أنه يمكن للبنان، استناداً إلى قوانينه الداخلية ومعاهدات دولية، ترحيل أعداد كبيرة من النازحين السوريين… في حال تجرّأ على مجابهة «الفيتو» الغربي المفروض على عودتهم إلى بلادهم
في حزيران الماضي، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المجتمع الدولي إلى التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، «وإلا سيكون للبنان موقف ليس مستحباً لدول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم».
ما قاله ميقاتي كرّره عدد من المسؤولين المتابعين لهذا الملف. رغم ذلك، لم تتخذ الدولة اللبنانية أي إجراء قانوني في هذا الإطار، باستثناء ما فعلته عام 2015 عندما أقفلت الحدود مع سوريا وطلبت من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) التوقّف عن تسجيل النازحين.
وبدل أن يكون لكلام ميقاتي وقع لدى الدول الغربية، فقد زاد الضغوط لمنع النازحين من العودة إلى بلادهم. وهو ما يبدو واضحاً في مواقف المفوضية والمنظمات الدوليّة التي وصفت خطة العودة التي تعمل عليها المديريّة العام للأمن العام «غير آمنة»، ورفضت طرح لبنان استبدال المساعدات النقديّة والعينيّة التي تقدمها المنظمات على الأراضي اللبنانيّة بإعطائها للنازحين في حال عودتهم إلى بلادهم. فهل يمكن للبنان، قانوناً، تنفيذ «تهديد» ميقاتي؟
الإجراءات القانونيّة التي يمكن للبنان القيام بها لترحيل النازحين كثيرة، بحسب رئيس مؤسسة «جوستيسيا» (JUSTICIA) الحقوقيّة المحامي بول مرقص الذي قدّم أخيراً إلى المسؤولين دراسة قانونيّة مفصّلة تتيح ترحيل النازحين السوريين استناداً إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدوليّة، والقوانين اللبنانيّة المرعيّة الإجراء والفقرة «ط» من مقدّمة الدستور التي نصّت على رفض التوطين.
يوضح مرقص لـ«الأخبار» أنّه استند في دراسته إلى قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 تموز 1962 والذي ينص في المادة 17 على «صلاحية المدير العام للأمن العام بإصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائية حيث يشكل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام»، والمادة 32 التي نصّت على «معاقبة الأجانب الذين يدخلون الأراضي اللبنانية بطرق غير قانونية بعقوبة الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات والغرامة والإخراج من لبنان، فمن يدخل إلى لبنان بصفة غير قانونية سعياً للجوء من الاضطهاد أو بصفة غير قانونية للغرض ذاته ويبقى في البلاد لفترات أطول من المسموح بها في تأشيرات الدخول، تتم معاملتهم على أنهم مهاجرون غير شرعيين ويتعرضون للاعتقال والسجن والغرامات والإخراج (الترحيل)».
يؤكّد مرقص أن لبنان يملك عدداً من الحجج القانونيّة لترحيل النازحين، منها قرار المجلس الأعلى للدفاع في 15 نيسان 2019 الذي قضى بترحيل المواطنين السوريين الداخلين إلى لبنان من دون المرور بالمعابر الرسمية. والأهم في الدراسة، إشارته إلى عدم وجود قانون داخلي مطبق للاجئين، «وبالتالي فإن لبنان متحرّر من أي التزامات لمعاملتهم كلاجئين رغم أنه يبقى ملتزماً بضمان الحفاظ على حقوقهم الإنسانية».
ما يلمّح إليه مرقص هو حديث البعض عن اتفاقية 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، والتي تنص المادة 32 منها على أنّه «لا تطرد الدولة المتعاقدة لاجئاً موجوداً في إقليمها بصورة نظامية إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام».
«لبنان مستقيل»
يشير مرقص إلى أن لبنان لم يوقّع هذه الاتفاقية، وهو ما يؤكّده النائب السابق الناشط الحقوقي غسّان مخيبر. ويُفسّر الأخير رفض لبنان المصادقة على الاتفاقية بأن «لبنان لا يعتبر نفسه بلد لجوء وإن لجأ إليه العديد من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والسودانيين والعراقيين، وذلك بسبب موقفه الحاسم برفض التوطين، خصوصاً أن اللجوء يفرض على الدول المُضيفة إما تأمين العودة الآمنة والكريمة إلى بلادهم أو توطينهم في الدول المُضيفة أو توطينهم في دولة ثالثة».
ويذكّر مخيبر بأن لبنان لم يمنح في تاريخه صفة اللجوء سوى للمناضل الياباني كوزو أوكاموتو (من الجيش الأحمر الياباني) الذي يُعد اللاجئ السياسي الوحيد في لبنان. ويشدّد على أنّ «قوانين اللجوء في لبنان غير ضامنة، بل هي مبنيّة على اتفاقيات تعاون بين الأمم المتحدة، وتحديداً مفوضية اللاجئين، وبين المديرية العامة للأمن العام، يلزم فيها لبنان نفسه بمجموعة من الأصول للتعامل مع القضيّة، إضافة إلى مصادقته على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسية وشرعة حقوق الإنسان.
ad
كلّ هذه الاتفاقيات، بحسب مخيبر، تمنع لبنان من ترحيل اللاجئين في حال كان هناك خطر على حياتهم. ويؤكد أنّ كلّ هذه المبررات فرضت على لبنان الالتزام رسمياً بتأمين العودة الآمنة والكريمة من دون أن تكون إلزاميّة. لكنه، مع ذلك، يؤكّد أنّ أمام لبنان مخرجاً قانونياً، وهو إمكانيّة ترحيل من دخلوا خلسة ولا يمتلكون إقامات شرعيّة فيه، لافتاً إلى أن أداء لبنان في هذا الملف يشير إلى أنه «مستقيل وأوكل إلى الأمم المتحدة إدارة الملف بشكل كامل وكأنه غير موجود، بل إن المفوضية هي التي تلتقي بالنازحين وهي التي تمنحهم صفة اللجوء بدلاً من الدولة اللبنانية. بالتالي صارت العلاقة بين النازحين ولبنان عبر المفوضية».
وعليه، يلفت مخيبر إلى أن الحل هو في سن القوانين التي تنظم اللجوء، وهو ما نصت عليه الخطة الوطنية التي أقرتها لجنة حقوق الإنسان النيابية عام 2015.
إذاً، تمتلك الدولة اللبنانية قوانين تتيح لها ترحيل أعداد كبيرة من النازحين بعد عودة الأمن إلى معظم الأراضي السورية، إلا أنّ الأرجح أنها لن تتجرأ على استفزاز الغرب ومخالفة رغباته في الإبقاء على ملف النازحين مفتوحاً بغية الاستغلال السياسي وإلى حين الانتهاء من الحل السياسي للأزمة السوريّة.