وزارة الزراعة تستنكر والبلديات تستنكف… والتجاوزات مستمرّة
«بيخبّوا كْياس الزيتون تَيِسرقوهن بآخر الموسم بحجة التعفير… أو بيمرّقوا الكميات على دفعات بِتْيابُن»؛ «بْيِفرطوا الداير وما بيضبّوه تَيِجوا بالليل يِسِرقوه»؛ «نزلوا على أرضي بِغيبتي، قصّوا سنديانتَين من كَعْبن، وأخدون تيتدفّوا علين»؛ «ما منلاقيه إلّا جايب جذوع صنوبر وعم يقصّن ويحضّرن تيشعّل علين»؛ كل هذا يحصل في لبنان. والصرخات وصلتنا من مختلف المناطق. أما النداء المشترك فهو: كفّوا يد النازحين السوريّين عن قطع الأشجار وسرقة مواسم الزيتون. نداء في وادٍ والمعالجات في وادٍ آخر.
وكأن ما أصاب موسم الزيتون هذا العام لم يكفِ. من دخول زيت الزيتون الأجنبي إلى القنابل الفوسفورية المنهمِرة على مناطق جنوبية عدّة قاضية على ما يزيد عن 40 ألف شجرة. أضيفوا أيها اللبنانيّون، إلى هذه وتلك، ظاهرة سرقة الزيتون من قِبَل نازحين سوريّين، «على عينك يا تاجر» وبلا حسيب ولا رقيب. الغطاء الأخضر الحرجي الذي التهمت الحرائق أكثر من ثلثه في الأعوام العشرين الماضية، لم تقصّر في الإجهاز على جزء ممّا تبقّى منه أيادٍ عابثة لبنانية طبعاً. والخسائر آخذة في التفاقم جرّاء جرائم القطع العشوائي وسواعد عصابات يُقال في أحيان كثيرة أن قوامها سوريّون ولبنانيّون، وجشع بعض النازحين غير المكتفين بالدولارات «الفريش» التي تصلهم عبر القنوات الأممية لغرض التدفئة. القاعدة المعمّمة: «صايرلك… ما تقصّر». من الشير إلى عكار ومن زغرتا وبسري إلى المية ومية، المشاهد والشكاوى نفسها تتّكرر. فما سمعناه على لسان عددٍ من أصحاب الأراضي والمعاصر لا يختلف كثيراً. كل ذلك والبلديات غائبة عن السمع، ومن أفصح عن شيء من الكلام من رؤسائها، اكتفى بالقول: «اللبناني بيسرق أكثر من السوري».
سرقة الزيتون… فنون
تواصلنا بداية مع مجموعة من أصحاب المعاصر الذين أجمعوا على أن ظاهرة سرقة بساتين الزيتون تنتشر بشكل غير مسبوق في عددٍ غير قليل من المناطق. إذ يقوم بعض النازحين بقطف الزيتون وبيعه «حَب» أو عصره وبيعه زيتاً. كيف ذلك؟ يقوم هؤلاء إمّا بِفرط «الداير» (أي ما يتساقط على الأطراف) نهاراً وإبقائه أرضاً ثم يأتون ليلاً لتعبئته وأخذه؛ أو هم يتحجّجون بالتعفير (ما بقي بعد القطاف ممّا لا يريده صاحب الملك) لجمع حبيبات الزيتون في حين لا يكون المالك قد باشر بعملية القطاف بعد؛ أو حتى «يُنقّوه عن إمّو» أو يقطعون الأغصان الوفيرة الحِمل وأخذها رغم أنه قد يكون سبق لصاحب الملك أن منحهم حصّتهم من الموسم.
جهات معنية تتساءل عن سبب صمت البلديات والمخاتير، وغياب دور المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية في التأكّد من أسماء الأفراد الذين يقومون بعصر الزيتون في المعاصر. «لماذا لا تتمّ مساءلة أي سوري يدخل إلى المعصرة أو يحاول بيع الزيتون عن مصدر المادة، وما إذا كان هناك من مستندات تؤكّد حصوله على الكميات بشكل قانوني. فهل هو من اشتراها أو أنه ضمن أرضاً أو أن أحدهم قدّمها له كهديّة؟». بعض أصحاب المعاصر يعتبرون، في ظل اختلاط حابل البلد بنابله واشتداد الأزمة الاقتصادية، أن الهدف الوحيد يبقى «الشغل وتطليع المصاري» أيّاً كانت هوية الزبون. يأتي ذلك في ظلّ غياب أي قرار أو تعميم وزاري يمنع عصر الزيتون لأي أجنبي قبل التأكّد من المصدر. بدورها، تلاحظ مصادر مراقِبة أخرى أن أكثر البيئات العكارية والجنوبية، حيث تزدهر مواسم الزيتون، هي حاضنة للنازحين السوريّين. وهذا ربّما ما يفسّر (جزئياً) صمت بعض الجهات الرسمية عن ممارسات البعض منهم والتي تدلّ على عدم اتّزانهم، لا سيّما في ما خصّ مسألة السرقة على أنواعها.
هل من يستجيب؟
من جهته، أصدر تجمّع الهيئات الممثّلة لقطاع الزيتون يوم الاثنين الماضي بياناً ناشد فيه كلّاً من وزير الزراعة وقائد الجيش وإدارة الجمارك والقوى الأمنية العمل على منع دخول زيت الزيتون الأجنبي ووقف سرقات الزيتون. فمع انتشار ظاهرة السرقات تلك بشكل خطير، طالَب التجمّع وزير الزراعة بإصدار قرار يمنع من خلاله المعاصر من استقبال وعصر أي حَب زيتون إلّا من خلال المزارعين أو الضامنين. وتطرّقوا أيضاً إلى منع تجار حَب الزيتون من شرائه إلّا من المزارعين مباشرة، كما منع أي شخص، سوى أصحاب بساتين الزيتون، من الدخول إليها. وقد سبق للتجمع أن طالَب بتكليف الجيش مكافحة هذه الظاهرة لما تشكّله من خلل أمني.
للوقوف عند رأي وزارة الزراعة، اتّصلنا بالوزير عباس الحاج حسن الذي أشار لـ»نداء الوطن»، بداية، إلى أن عملية مراقبة سرقة حبوب الزيتون مناطة بالقوى الأمنية وحرّاس البلديات. «هذا أمر مرفوض ويجب أن يواكَب ويُتابَع من قِبَل الهيئات الرقابية. ونحن كوزارة يمكننا المساعدة ضمن الإمكانات المتاحة». الحاج حسن عرّج على الصرخة التي أطلقتها الهيئات والجمعيات المعنيّة بقطاع الزيتون مؤكّداً أنه سيُصار إلى عقد لقاء في الوزارة الأسبوع المقبل لوضع آلية يمكن من خلالها الحدّ من هذه الارتكابات الفردية وغير الفردية، والتي تنتشر في كافة المناطق مع ما تلحقه من أضرار بموسم الزيتون. وأضاف: «يجب التنسيق في هذا الإطار، لذا رفعت كتاباً طلبت فيه من القوى الأمنية والجمارك وأمن الدولة كما الجيش والضابطة العدلية والقضاء المختص ملاحقة ومتابعة أي مرتكب. ليس صعباً إيجاد آلية مستدامة وقابلة للتنفيذ نعد بأن نضعها على طاولة البحث السريع، لكن تبقى الأخيرة مرهونة بإمكانية وكيفية التعاون بين كافة الوزارات والجهات المختصة لتنفيذها».مافيات النزوح تغتال الأشجار
نترك قضية سرقة الزيتون، على أهمّيتها، ونغتنم فرصة الاتصال لنسأل معالي الوزير عن قطع الأشجار الجائر، حيث سُجّلت مئات الشكاوى في الوزارة. فكما درجت العادة سنوياً، على أبواب فصل الشتاء، يعود هذا الملف، العصيّ كما يبدو هو الآخر على الحلول، إلى الواجهة من جديد. لكن هذه المرّة، تضاف إلى مخالفات اللبنانيّين هجمة غير مسبوقة في بعض المناطق من قِبَل النازحين السوريّين لقطع الأشجار (ومن جذورها في معظم الأحيان). هذا في حين يتقاضى النازح، من ضمن ما يتقاضاه من القنوات الأممية إياها، بدلاً كافياً لتأمين سُبل ووسائل التدفئة شتاءً. فكيف يصف الحاج حسن هذا المشهد وما هي تداعياته؟ «نتحدّث هنا عن حرّاس الأحراج والجميع يعلم أننا نعمل بنصف الإمكانيات المتاحة. الشواغر التي كان يجب ملؤها ما زالت حتى الساعة عالقة في أدراج السياسة. لذا ترانا نتعاون مع البلديات والهيئات الاختيارية، إن لوجستياً أو على الأرض، من خلال المراقبة وتزويدنا بأسماء المخالفين وتسطير محاضر ضبط». الحاج حسن لم ينفِ أنه، مع انطلاق موسم البرد، تشهد بعض القرى مجازر بيئية بكل ما للكلمة من معنى، داعياً القوى الأمنية والبلديات والهيئات الرقابية للتشدّد لأن إلحاق الضرر بالغطاء البيئي والحرجي تحديداً إنما يُعتبر جريمة يجب أن يُحاسب عليها القانون.
نعود ونسأل عن النازحين السوريّين تحديداً الذين يقومون، سرّاً وعلناً، بقطع الأشجار وما إذا كان ثمة قوانين ذات صلة للمحاسبة على تلك الارتكابات؟ «للأسف هناك عصابات من جميع الجنسيات تنشط في جبل لبنان والجنوب والشمال والبقاع في مجال قطع وبيع الحطب. لم يعد الأمر مقتصراً على مواطن فقير يحتاج لأن يؤمّن التدفئة لأطفاله، بل هي باتت عملية ممنهجة لبيع كميات مهولة من الحطب». أما بالنسبة للقانون فهو متدرّج، بحسب الحاج حسن. أي، حين يكون المرتكب أجنبياً، فالأولى أن يكون القانون قويّاً وزاجراً. ويلفت في السياق إلى عمل لجنتَي الزراعة والبيئة النيابيتين كما اللجان المشتركة على تعديل القانون داخل مجلس النواب. «نأمل ألّا يطول النقاش في هذا القانون لأننا نسطّر مئات محاضر الضبط موسمياً حيث أصبحت قيمتها المالية زهيدة جداً نسبة لسعر الصرف. وندرس أيضاً احتمال إدخال عقوبة السجن لهؤلاء المرتكبين، مواطنين كانوا أم غير لبنانيّين، في حال كرّروا أفعالهم الجرمية. كما أميل شخصياً لأن تكون العقوبة مضاعفة بما يعني الأجنبي، أياً كانت جنسيته، لأن على كل غريب أن يكون أديباً على أرض وطننا. فإن لم نتشدّد أكثر بالنسبة للأجانب، سنكون أمام سيناريوات ممنهجة قد ترقى إلى مستوى العصابات أو المافيات التي تمتهن هذه التجارة».
للإتّعاظ… ولكن
قد تكون الخطوات الاستباقية فعّالة لـ»قطع اليد» التي تمتدّ إلى الغابات. إذ على كل مواطن أن يتحوّل خفيراً ومسؤولاً عن التبليغ عن أي مخالفة قد يراها أو يلحظها، شرط أن تقترن هذه الخطوات بقيام الجهات المسؤولة بدورها من حيث الملاحقة والمحاسبة الحازمة والجازمة. لكن بنفس القدر من الأهمية، فإخضاع المرتكبين من السوريّين لأحكام القوانين شأنهم كأي مرتكبٍ آخر أمر لا بدّ منه. وثمة من يسأل هنا: أوليس حريّاً بالجهات المانحة أن تتحرّك، وهي التي تحتضن النزوح السوري بشكل مطلق، خصوصاً وأن التقديمات التي تصل النازحين من خلالها كفيلة بأن توفّر لهم ما لم يَعد بعض، إن لم يكن معظم، اللبنانيين قادرين على تأمينه؟ كل ذلك يُسقط أي ذريعة أو تبرير لحاجة هؤلاء إلى قطع الأشجار والمساهمة في الفتك بثروات لبنان الطبيعية.
هذا بكليّته طبعاً انعكاس لمأزق أشدّ وطأة يرتبط بمسألة التزام قوانين البلد المضيف والاندماج في مجتمعه. لكن مظاهر الفوضى والفلتان تتفشّى في الأثناء وبغياب الإجابات. فهل من يتّعظ قبل أن تؤول الأمور، في هذين الملفّين وسواهما، إلى ما لا تُحمد عقباه؟