يُعاني لبنان أزمة وجودية تكاد أن تهزّ كيانه، فالتركيبة اللبنانية والتوازنات القائمة مهدّدة نظراً الى عدم إيجاد حلّ لأزمة النزوح. وفي حين تتفشّى هذه المشكلة في كل لبنان، فإنّ قضاء البترون لم يسلم من تداعياتها على رغم أنه آخر قضاء في الشمال وبعيد كل البعد عن الحدود اللبنانية – السورية.
إستناداً إلى بروتوكول عام 1967 المتعلّق بوضع اللاجئين، يعرّف اللاجئ على أنه كل شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرّره من التعرّض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظِل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد.
ومنذ العام 2011 ومع بداية الحرب السوريّة حتى اليوم، أصبحت قضية النازحين السوريّين في الدول العربيّة وفي العالم أجمع ضمن أولويات عمل الحكومات من حيث تسجيل اللاجئين وتقديم المساعدات اللازمة.
يستقبل لبنان نحو المليون ونصف مليون لاجئ سوري لا يتمتع جميعهم بالحقوق السياسيّة، خصوصاً أنّ ما يعادل نصف العدد مسجّل ويملك الأوراق القانونيّة اللازمة، وهذه القضيّة تخلّف العديد من المشاكل الإجتماعيّة، الإقتصاديّة، السياسيّة، الأمنيّة والديموغرافيّة…
وقضاء البترون الشمالي، كما غالبيّة الأقضية اللبنانيّة، يستقبل عدداً من اللاجئين الذين تدفّقوا إليه هرباً من الحرب ويعتبرونه ملاذاً للعمل والعيش.
نحو 16000 سوري ينتشرون في القرى والبلدات البترونيّة، عدد قليل منهم إستأجر مسكناً لعائلته، أمّا معظمهم فيعيشون ضمن تجمعات سكنيّة خاصة أو عند عائلات لبنانيّة مقابل العمل لديهم.
وفي السياق، يؤكد رئيس اتحاد بلديات البترون ورئيس بلديّة البترون مارسلينو الحرك لـ«الجمهورية» أنّ «نحو 1200 لاجئ سوري يعيشون في مدينة البترون، والبلدية تعمل على مشروع بالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعيّة لوضع جدول إحصاءات دقيق ومَسح موسّع لعدد اللاجئين ومكان سكنهم وبذلك تستطيع العمل على ضبط أوضاع اللاجئين من حيث المسكن والعمل»، موضحاً «أن لا مساعدات مباشرة تقدّمها بلديّة البترون لمساعدة اللاجئين، لكنّ هناك العديد من المشاريع المموّلة من الـUNDP ومن جمعيات أخرى».
ينتشر السوريون في كل أرجاء البترون، ساحلاً وجرداً ووسطاً، ففي منطقة بساتين العصي يفوق عددهم عدد سكّان البلدة، ولم يقتصر حضورهم على العمل بالزراعة في السهل بل تعدّى ذلك، وسط غياب أي ضوابط من السلطات المسؤولة، مع ما يخلّفه وجودهم من خطر امني واقتصادي وحتّى بيئي. وفي سياق متصل، ذكر رئيس بلديّة كفرحلدا أديب موسى لـ»الجمهورية» «أنّ معظم السوريين في البلدة يسكنون سهل كفرحلدا، وهم يعملون في الزراعة».
أما في الجرد، فيسكن أكثر من 500 سوري، بين عمّال وعائلاتهم، منطقة تنورين، ويشكلون خطراً إقتصادياً على أبناء البلدة بسبب عملهم في الحقل الزراعي والحرفي. وهذه الظاهرة تلخّص وضع معظم البلدات البترونيّة، حيث أنّ أجر العامل السوري هو أدنى من أجر اللبناني وهو يحلّ مكانه في العديد من الأعمال.
من جهة أخرى، يستفيد اللاجئون في البترون من وجود العديد من مصادر تقديم المساعدات من طعام ولباس وأموال، منها دوليّة وعربيّة ومحليّة، كالمفوضيّة العليا للإغاثة، الصليب الأحمر اللبناني، الهلال الأحمر الإماراتي، الحملة الوطنيّة السعوديّة والعديد من الجمعيّات المدنيّة في الشمال وأهمّها في عكار.
أمّا أمنيّاً، فالوضع في قضاء البترون هو أفضل حالاً من مناطق أخرى، فلا جماعات مسلّحة ولا خوف من أعمال خارجة عن القانون على رغم بعض الإستثناءات. لذلك، وضعت العديد من البلديات قوانين خاصة منها منع التجوّل ليلاً أو تحديد نقاط للتجمّع.
في الختام، يشكّل واقع النزوح السوري في منطقة البترون مشهداً مصغّراً للمشهد اللبناني العام، ويبقى وضع اللاجئ السوري يتأرجح بين النظرة الإنسانيّة والخوف من التداعيات على كلّ الأصعدة، فيما يتحمّل المواطن اللبناني ضريبة حرب لا علاقة مباشرة له بها في ظلّ تقصير المؤسسات المعنيّة محلياً ودولياً.