Site icon IMLebanon

النازحون «قنبلة موقوتة»… فمَن جهّزها؟

تجدَّد الحديث في الساعات الماضية عن مخاطر التوطين السوري بعد الفلسطيني، وتعالت الأصواتُ مُحذّرة من الآتي باسم «الأزمة السورية» وتردّداتها. ولعلَّ الربط بين هذه المخاطر والإهتمام الدولي والأوروبي تحديداً يفتح الطريق أمام بعض المخارج التي يمكن أن تُخفّف أو تحجب بعضاً من المخاطر. وإذا ساد الإعتقادُ أنّ هذا الملف تحوّل قنبلة موقوتة، فمَن جهّزها؟

كمَن فسَّر الماء بالماء، تعلو الأصوات مجدداً وبحناجر عالية النبرة حيال مخاطر التوطين السوري بعد الفلسطيني في محاولة لإلقاء تبعات النزوح على أطراف الداخل اللبناني وتبادل الاتهامات حول مَن سهّل النزوح ومَن يستثمره ومَن سيستفيد منه بإحداث خلل ما في التركيبة الديموغرافية اللبنانية الهشة.

وكأنّ اللبنانيين هم مَن اطلقوا الحراك السوري الثوري المدني في بداياته قبل عسكرته وتحوّله جيوشاً تتقاتل ولها مَن يدعمها من مختلف المدارس العسكرية في الشرق والغرب، وهم المسؤولون عن انقسام العالم الحاد بين محورَين، واحد يدعم النظام او ما تبقى منه، وآخر يعمل على تنظيم المعارضين وتوحيد قواهم.

ويتحدّث أحد الديبلوماسيين الغربيين عن مفارقة لبنانية لم يجد لها مثيلاً في أيّ دولة في العالم، عندما يرى أنّ بعضهم يبحث أحياناً عن الأسباب التي تُعزّز مواقفه من الملفات الداخلية، فلا يتورّع عن تبادل الإتهامات وتجاهل الأسباب التي فرضت أمراً واقعاً لا حول ولا قوة للّبنانيين في مواجهته أو مواكبته بما هو متوافر من مخارج وحلول.

وهو أمر، يضيف الديبلوماسي، يقود الى الخلط بين ما ارتكبته أيادٍ لبنانية ومَن استدرجت اليه، وبين مَن يحاول إستثمار ظاهرة ما لتعزيز قدراته الداخلية وتحسين المواقع. وهو انطلق من ايحاء البعض أنّ تقصير اللبنانيين في مواجهة آثار النزوح السوري ونتائجه الكارثية هو ما قاد الى هذا التضخّم في حجم تردداته، في ما تبدو كلّ القدرات اللبنانية لو تجمّعت غير قادرة على مواجهة مثل هذه الحال.

ويعتقد الديبلوماسي أنّ إصرار البعض على رفع لواء التوطين يتجاهل حقائق كثيرة ويغفل أدوارَ بعض اللبنانيين في إبقاء النازحين لاجئين على الأراضي اللبنانية على رغم معرفته أنّ الملفّ استُثمر من مختلف الأطراف ولم يوفّره أحد عندما إحتاج اليه.

ودعا الى العودة بالذاكرة الى الإنتخابات السورية الرئاسية قبل عامين والتي استجرّت السوريين النازحين الى صناديق السفارة السورية، فأحدثوا «يوماً أسود» في حركة السير حيث أمضى اللبنانيون ساعات طويلة طوابير متوقفة في الطرق، فعَلت الأصوات لتُحيّي النازحين وما يتمتّعون به من وطنية وعنفوان جرّاء تمسكهم بالرئيس القائد ولم يتوفّر من بين النازحين مَن انتخب مرشحاً آخر.

وتزامناً مع هذه الظاهرة التي استُثمرت في الداخل والخارج، علت الأصوات في الضاحية الجنوبية في الإتجاه المعاكس وأُقفلت محلاتهم التجارية والبسطات بتهم انتمائهم الى «داعش» والتكفيريين الآخرين، فسقطت النظريات السابقة في أقل من أشهر قليلة، الى أنّ تعالت الأصوات مجدّداً خوفاً على اليد العاملة اللبنانية وتزايد نسبة العاطلين عن العمل، فأقفل معظم مناطق البقاع وتحرّكت الهيئات الإقتصادية بحجة اكتساح المؤسسات التجارية والصناعية الصغيرة من السوريين وإغراق الأسواق اللبنانية بمنتجاتها، وهو أمرٌ شعر به معظم المناطق اللبنانية من اقصى الشمال الى عمق الجنوب وجبل لبنان بعدما انتشر السوريون في كلّ لبنان.

وعليه، بات لدى اللبنانيين ما يُعزّز المخاوف من حجم النزوح، وزاد الطين بلة تراجع المجتمع الدولي عن دعمهم، فألقيَ العبء الأكبر على الإقتصاد اللبناني ومؤسساته التربوية والصحّية والإجتماعية وبناه التحتية وتزايدت معها الإتهامات.

وإزاءَ ما بلغته المخاوف، طرح الديبلوماسي على اللبنانيين أسئلة بسيطة يمكن من خلال الإجابة عنها تكوين تصوّر مقبل للحلّ ومنها:

– ما الذي يمنع عودة عشرات الألوف من النازحين الى المناطق الآمنة تحت سيطرة النظام أو خارجه على السواء؟

– ما الذي يمكن أن تقوموا به في ظلّ خطط الترانسفير التي تنفّذها دول وأنظمة موالية للنظام وأخرى معارضة؟

– ما الذي يمنع قيام مناطق آمنة في عمق سيطرة الطرفين لإيواء النازحين على ارضهم؟

– ما الذي يمنع توحيد مواقف اللبنانيين أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية يُحصّن الموقف الرسمي اللبناني تجاه العالم وينظّم العمل ضمن المؤسسات الدستورية؟

ومن دون الإسترسال في أسئلة كثيرة، انتهى الديبلوماسي الى القول إنّ اللبنانيين لم يتعلّموا يوماً من تجارب الماضي، وها هم يغرقون مجدّداً في أزمات عانوا منها لعقود ويريدون خوض التجربة مرة أخرى. لذلك لا يحقّ لهم طرح المعادلة عن تحوّل الملف الى «قنبلة موقوتة»، فمَن جهّزها؟