يبدو الرئيس سعد الحريري حاملاً، بامتياز، همّ تداعيات النزوح السوري الذي تجاوز طاقة لبنان وقدرته، منفرداً، على تحمل هذا الهم الكبير وهذا العبء الأكبر.
مليون ونصف مليون نازح كلّفوا لبنان، حتى تاريخه، نحو 25 مليار دولار كما قال رئيس الحكومة في منتدى الدوحة أمس. ومع أن الكلمة تطرقت الى موضوعات أخرى مهمة فقد إستأثر بها، ملف النازحين، خصوصاً وان سعد الحريري لم يتوقف عن إثارة هذا الموضوع على الإطلاق، وهو يدأب على تناوله يومياً تقريباً… ما يؤكد على المخاوف كلها التي لا تقتصر على الخسائر المادية فحسب (على هول وضخامة هذه المبالغ) إنما تتناول أيضاً الشؤون الأمنية (خصوصاً) والإجتماعية والإنسانية والمصيرية كذلك.
ولا يعتد بالقول إن سوريا فتحت أبوابها أمام اللبنانيين إن في بعض مراحل حرب السنتين أو في حرب تموز 2006 العدوانية على لبنان، أجل! لا يعتد بهذا القول لأنّ اللبنانيين الذين اضطرتهم الظروف القاهرة (كما هي تضطر السوريين) الى النزوح كانوا مثالاً في الإنضباط والتزام القوانين، واحترام الأنظمة السورية… كما أنفقوا على إقامتهم من أموالهم الخاصة. وبالتالي لم يشكّل اللبنانيون (فرادى وجماعات) أي حال إستثنائية أو غير قانونية.
وعلى سبيل المثال:
لم يعرف ان اللبنانيين الذين نزحوا الى سوريا شكلوا عصابات لارتكاب الجرائم على أنواعها. بينما تكاد لا تقع جريمة واحدة في لبنان إلاّ بمشاركة سوري أو إثنين أو أكثر… وهي جرائم مختلفة تراوح بين القتل على أنواعه والسلب على أنواعه، والمخدرات والدعارة (…) ومن يتسنّى له الإطلاع على بيان الجرائم لدى الجهات الأمنية والقضائية المعنية يكتشف، بالتأكيد، كم انها مرتفعة نسبة الجرائم التي يرتكبها نازحون سوريون في لبنان.
أضف الى هذا أنّ النزوح اللبناني الى سوريا كان موقتاً في الحرب اللبنانية، وكان قد إنتهى بسرعة الضوء في حرب تموز 2006… ولم يُسجل ان نازحاً لبنانياً واحداً ارتكب عملية إرهابية واحدة في سوريا… وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي واضحة للعيان.
ثم إنّ العبء الإجتماعي يتعاظم مع مئات آلاف الولادات الجديدة، ناهيك بالضغط الهائل على المدارس والمستشفيات.
وأما الضرر المباشر الأكبر فهو ما يتناول اليد العاملة اللبنانية التي كانت تعاني، أساساً، من أزمة البطالة. أما الآن فقد تفاقمت هذه الأزمة كون النازح السوري لا تعوزه المهارة العملية في وقت يكون السعر (بدل العمل) أقل من سعر اليد العاملة اللبنانية بفارق ملحوظ.
ومعظم ما أوردناه آنفاً تناوله الرئيس سعد الحريري في كلمته، أمس، في منتدى الدوحة الإنمائي السابع عشر… ولقد يكون من أخطر ما ورد في كلام رئيس الوزراء الآتي: «… هذا العدد الكبير من اللاجئين أدى الى إرتفاع نسبة الفقر في لبنان الى ثلاثين في المئة وزيادة معدلات البطالة الى عشرين في المئة وهي، بين الشباب أكثر من 30 في المئة».
إن طرح هذا الملف، كما طرحه الرئيس سعد الحريري يجب أن ينظر اليه من زاويتين: الأولى أنه ينطلق من مصلحة وطنية عليا وحسب، وانه يحث الدول والمؤسسات الأممية على القيام بواجبها تجاه النازحين والبلدان المضيفة.