يستمرّ النزوح. تتحدّث إيطاليا عن إنقاذ نحو 6 آلاف مهاجر غير شرعي نهاية الأسبوع. القمّة الأوروبيّة أقرّت الحاجة الى جهد دولي منسّق. يبدي وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل خشيته من موجة جديدة من الهجرة تطاول الشباب اللبناني نتيجة إستمرار التدفّق. سفراء الإتحاد الأوروبي يؤكدون أنّ لبنان «لا يمكنه أن يستمرّ في خصائصه، في ظلّ التغيير الديموغرافي الذي يتعرّض له نتيجة النزوح».
– ماذا بعد؟ هناك توجّه لعمل دولي، والمقترحات كثيرة أبرزها العمل على إقرار إستراتيجيّة متكاملة على مستوى الأمم المتحدة تعالج ظاهرة النزوح، يستفيد منها لبنان. أما الدوافع فكثيرة أبرزها:
– فشل مؤتمرات الدول المانحة في إعتماد خطّة متكاملة تواجه التحدّيات، وتحتسب للمستجدات، وتعالج بمسؤوليّة وشفافيّة العجز الحاصل في الإيفاء بالإلتزامات الماليّة.
– وجود توجّه لدى دول مانحة على أن تكون السلّة الماليّة الخاصة بالنزوح مرتبطة بمخطط توطيني. إنفاق، مقابل إجراءات تسهّل دمج النزوح في الدول المضيفة.
– إستمرار النزف. «طالما أنّ الأزمة مستمرّة، طالما أنّ النزوح مستمرّ». – غياب المعايير الأخلاقيّة في إحتواء المعاناة. «كيف يمكن توفير الأموال بسهولة لشراء الأسلحة، وضمان إستمرار القتال، فيما يتعذّر توفيرها لمعالجة الكوارث الإنسانية. – وجوب التصدّي للمضاعفات الأمنيّة والسياسيّة، والإقتصاديّة والإجتماعيّة والمعيشيّة، والصحّية التي بدأت ترخي بثقلها على الدول المضيفة وتحوّلها دولاً مأزومة.
يحتلّ الإستحقاق الرئاسي أولويّة، عند سفراء «مجموعة بكركي»، لكنّ النزوح يتقدّم الى صدارة الإهتمامات. الرئيس «حاجة وضرورة»، ولكنّ الضرورة القصوى «بقاء لبنان للبنانيين».
لقد إنطلقت إجتماعات بكركي الديبلوماسيّة من البحث في «مصير الرئاسة، لتشمل مصير الوطن، والتحدّيات الماثلة». الفراغ قد يطول، لأنّ اللبنانيين عاجزون، غير قادرين على لبننته، فيما الخارج يفتش عن مصالحه في فوضى التعقيدات في المنطقة.
وفي صراحة متناهية، ملف الإستحقاق ليس أولوية مدرَجة، حتى الساعة، على أيّ من الأجندات المعنيّة بأوضاع المنطقة. لا يزال الإستقرار في حدّه الأدنى ضماناً دوليّاً، لكن من دون إلتزامات واضحة تتناول مستقبل الكيان، والصيغة، والنظام. وليس في الأفق مشاريع حلول خاصة بلبنان في معزل عن الحلّ في سوريا. قد يُفهم من هذا الكلام بأنّ الغرب ربما يريد ربط المسارَين، وإستمرار تلازمهما.
الأوساط الديبلوماسية تنفي ذلك، وتؤكد أنّ تسارع الأحداث والتطورات تدفع بالدول الكبرى الى الإهتمام بمصالحها في الساحات المشتعلة، وتحرص على حمايتها في أيّ تسوية ترتّب لسوريا، او العراق، او اليمن، او ليبيا، أوغيرها من أزمات الشرق الأوسط، والملف اللبناني ليس أولوية حتى الساعة.
إلّا أنّ حال اللّاإكتراث لا يمكن أن تستمر، لسببين جوهريَين، الأول: إنّ التغيير الديموغرافي لم يعد تخوّفاً، بل بدأ يتحوّل واقعاً، وبعد إجتياح الأرض، هناك إجتياح لفرص العمل، خصوصاً في قطاعات الزراعة، والبناء، والسياحة.
والثاني: الإنعكاسات السلبيّة المباشرة على إنتاجية الدولة والمؤسسات. ولدى الأوروبيين نماذج، منها:
– الموازنة: لا يعود عدم إقرارها الى التجاذبات السياسيّة، بل الى العقبات الطارئة، وبات على الحكومة أن تقرّ موازنتين، واحدة برسم اللبنانيين، والثانية للنازحين، والمقيمين بطريقة غير شرعيّة.
– الأمن: بات المطلوب توفير خطتين متلازمتين، الأولى خاصة بالمواطنين، والثانية بالمقيمين.
– البنى التحتية التي تنهار تحت وطأة الإستيعاب، وفي ظلّ غياب الإمكانات التي تساعد على تحسينها لتلبيّة الإحتياجات.
– المشكلات التي تتفاقم بين المجتمع المقيم، والمجتمع الوافد، والتي تغذّيها الهواجس المصيريّة.
– المجتمع الناشئ: هناك نحو 35 ألف ولادة كلّ شهر في مخيّمات النزوح، بلا هوية وأوراق ثبوتية. مجتمع يتكيّف مع الواقع الجديد، ويتكاثر في حضن مجتمع أصيل يضمحل.
هذا بعض غيض من فيض النزوح… والأولويات تتبدّل. صحيحٌ أنّ مواجهة الفراغ الرئاسي، والإنكباب على تفعيل مؤسسات الدولة، إستحقاقات مهمّة بالنسبة الى الإتحاد الأوروبي، والدول الصديقة، لكنّ الأهم هو السعي السريع والجاد، نحو عمل دولي هادف على مستوى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن يُبقي على لبنان الصيغة والميثاق والدور. إنه عند حافة الإنهيار… ويعاني من خطر وجودي يتهدّده.