يكاد لا يمر اجتماع من اجتماعات المكتب السياسي لـ«حزب الكتائب» الاسبوعية، إلا ويكون الاعتراض على «الثنائية المارونية السياسية» التي يجري التعامل معها، من القوى السياسية كافة – كأمر واقع – مادة أساسية على طاولة الاجتماع، وتستنزف ثلاثة أرباع وقت الاجتماع من دون الوصول الى نتيجة…
يرفض قياديو «الكتائب» هذا النهج في التعامل مع «الحزب السياسي العريق» الذي يعود تأسيسه الى أواسط ثلاثينات القرن الماضي… ويأخذون على الافرقاء السياسيين كافة، وتحديدا في قوى 14 اذار، ومن يدور في فلكها هذا التماهي في محاولة تغييب الحزب عن «الدور الطليعي» في الاستحقاقات السياسية والوطنية، لصالح قطبين، أحدهما وليد «الكتائب» وهو رئيس «القوات» سمير جعجع، والثاني وليد الحرب اللبنانية (الجنرال السابق) النائب ميشال عون، الذي حصّن نفسه بـ«التيار الوطني الحر» الذي أحدث اختراقاً في البيئة المسيحية، كانت، كما شعبية جعجع، عن رصيد وعلى حساب «الكتائب» التاريخي…
لا يملك قياديو «الكتائب» تفسيراً واحداً، لهذه الظاهرة التي جاءت على حساب الحزب، ودفعت به الى الوراء… وان كان البعض يتطلع الى ظاهرتي «القوات» و«التيار الحر»، على أنهما «ظاهرتان عابرتان ومؤقتتان… وأن آل الجميل، لا بد وأنهم سيستعيدون مكانتهم ودورهم في تصحيح الخلل وتحرير «المارونية السياسية» إذ لا يصح غير الصحيح» على ما يقول نائب في «الكتائب»… الذي يرى ان اختزال المسيحيين الموارنة بـ«التيار الحر»، وبـ«القوات اللبنانية» مناف للحققة ولأبسط قواعد اللعبة السياسية التي تقوم على أسس طائفية ومذهبية صبغت الواقع السياسي اللبناني منذ اعلان ولادة لبنان الكبير… كما ان هذا الاختزال الغى دور سائر القوى والشخصيات السياسية في البيئة المسيحية وجعلها اما مهمشة بالمطلق، او مضطرة للالتحاق بأحد الاثنين (عون او جعجع).
يرتفع الصوت أكثر داخل المكتب السياسي عند الحديث عن الحاجة لاستحصال على «براءة الذمة» من الافرقاء الآخرين على الساحة اللبنانية، وتحديداً «تيار المستقبل» الذي يشكل الحاضنة السنية – السياسية الأوسع، و«أمل» و«حزب الله» كثنائية اختزلت الشيعية السياسية، وان بنسب متفاوتة… ويرفض الكتائبيون القدامى، كما «الشباب» استجداء القوة السياسية وتقديم التنازلات من الآخرين كما يفعل الجنرال عون والدكتور جعجع…» اللذين باتا يشكلان «ثنائية» واقعية في «البيئة السياسية المارونية»… استناداً الى دعم «حزب الله» لجنرال «الرابية»، ودعم «آل الحريري» لسيد «معراب»… حيث هناك قناعة راسخة بأن من يعطي القوة لـ«القوات» ولـ«التيار» ليس البيئة المسيحية وتحديداً المارونية، بل حسابات المصالح القائمة على قاعدة «كما تراني يا جميل أراك»… على ما يقول المصدر القيادي الكتائبي، الذي فضل ان لا يذكر اسمه… والذي أكد، ان هذه السياسة لن تصل بالجنرال عون، ولا بالدكتور جعجع، الى حيث يريدان، وتحديداً الى رئاسة الجمهورية، التي هي أبعد ما تكون عنهما… وما يحصل، ليس أقل من محاولة إضاعة وقت، لتوفير شروط ومعطيات أخرى تواكب التطورات الاقليمية، تأتي برئيس جمهورية، من خارج التداول.
حاول الرئيس أمين الجميل، ان يمد يده، كبديل عن هذه الثنائية باتجاه «المستقبل» وباتجاه «حزب الله»، فلم يكن مرتاحاً، وهو عندما تواصل مع الرئيس نبيه بري شعر ان رئيس المجلس «مزنوق» بخياراته أكثر من أي وقت مضى، وليس في وارد توفير ضمانات، او عقد تحالفات وابرام صفقات من خارج الخريطة السياسية القائمة… فـ«حزب الله» (أقله في العلن) لن يرى بديلاً لحليفه الجنرال عون… إلا اذا بادر «جنرال الرابية» الى اعلان تراجعه عن الترشح لرئاسة الجمهورية، وهو الذي بلغ الثمانين من عمره، وما عاد قادراً على السير على قدميه سليماً معافى… و«تيار المستقبل»، متمسك بخياره الدكتور جعجع، الذي أبدى استعداده للانسحاب شرط التوافق على بديل ترضى عنه قوى 14 آذار، من خارج الأسماء المؤهلة والمتداولة من هذا الفريق بالذات…
بعد لقاء الرئيس سعد الحريري، والجنرال عون، الأخير، تعززت لدى الجنرال البرتقالي قناعة، خلاصتها استعداد «المستقبل» للسير في دعم أي مرشح لرئاسة الجمهورية، لا يكون هو من بينهم… وتأسيساً على هذا، يسلم الكتائبيون بأن الحوارات الجارية، على خط «المستقبل» – «حزب الله» وعلى خط «التيار الحر» – «القوات اللبنانية» لن تفضي الى نتائج «جيدة وايجابية» ترفع العارضة من طريق انجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس يضع حداً للشغور في القصر الجمهوري في بعبدا، ودخل شهره العاشر على التوالي… لكن ما البدائل؟!
وإذ يقر «القيادي الكتائبي»، ويسلم بأن لا فرصة أمام عون، ولا فرصة أمام جعجع، وأي من الاثنين لن يكون رئيساً للجمهورية فهذا «حصرم رأيته في حلب»؟! فإنه في المقابل لا يرى فرصة أمام عودة «الكتائب» الى سدة الرئاسة، بعد تجربة الرئيس أمين الجميل… فالحل هو في مكان آخر، غير معروف بعد، وان كانت الأنظار تتجه الى بكركي من جديد… وان كان الكتائبيون، لا ينظرون بارتياح الى دور البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، الذي يعتبر لدى بعض قياديي «الكتائب» شريكاً في تهميش الحزب… وهو اتهام ترفضه «مرجعية» سياسية على صلة وثيقة بسيد الصرح، وتؤكد ان البطريرك الراعي لم يوفر جهداً لاستعادة الوحدة المسيحية تكون وازنة في لعبة موازين القوى، إلا ولجأ اليها، لكن كل هذه الجهود «ذهبت أدراج الرياح»، وان كان البعض يراهن، من جديد، على احتمال نجاح الراعي في انجاز «حوار مسيحي – مسيحي واسع» قد يفضي، بمباركة الفاتيكان، الى اعادة الحياة على خط الاستحقاق الرئاسي، مع شيء من الامل بتوفير «شبه اجماع» ينتج حلاً لأزمة الرئاسة التي تدور في حلقة مفرغة، وتقطع الطريق على «مخطط الدور المسيحي» في لبنان؟!