بعد أن خاضا الانتخابات البلدية معاً، أدّت الخلافات بين رئيس بلدية بينو فايز الشاعر والتيار الوطني الحر إلى حلّ المجلس البلدي، وتبادل الاتهامات بالعرقلة والمناكفات، وصولاً حدّ اتهام الرئيس باختلاس المال العام. القضية بين الفريقين باتت في عهدة النيابة العامة المالية
بَيْنو ــ قبولا، هي واحدة من البلديات المنحلّة في محافظة عكار. مخالفات مالية، مناقصات وهمية، اختلاس المال العام وإساءة الأمانة، التفرّد بالحكم… كلّها اتهامات رماها التيار الوطني الحر في بينو بوجه رئيس البلدية، فايز الشاعر، الذي يتهم بدوره أعضاء المجلس البلدي السبعة (يتألف المجلس من 15 عضواً، ينقسمون بين 12 عضواً لبلدة بينو، و3 أعضاء يُمثلون قبولا) المُنتمين إلى «التيار» بأنّهم «فريق التعطيل». المدّ والجزر في العلاقة بين الفريقين بدأ منذ انتخاب الشاعر رئيساً للبلدية عام 2016، لـ«تُتوّج» في 12 أيلول بإخبارٍ قدّمه عددٌ من الأعضاء إلى النيابة العامة المالية، يتهمون فيه رئيس البلدية «باستدراج عروض وهمية، وتلزيمات وهمية لمتعهدين وهميين»، ما أدّى إلى «الهدر والسرقة في الأموال العامة». تحرّكت النيابة العامة، فاستدعت في 25 أيلول فايز الشاعر، مُستمعةً إليه. اللافت في الموضوع أنّ الشاعر كان حليف «التيار» في الانتخابات البلدية، وفازت لائحتهما كاملة في وجه كلّ القوى الأخرى (عصام فارس، القوات اللبنانية، الحزب السوري القومي الاجتماعي، المستقلون…). الشاعر ليس فقط حليفاً للعونيين، بل يحمل أيضاً بطاقةً حزبية (رغم تعريفه عن نفسه بأنّه شيوعي، وقد ذكر ذلك في طلب الحصول على بطاقة التيار الحزبية).
بداية الخلافات بين الشاعر والتيار الوطني الحر، سُجّلت خلال الإعداد لانتخابات رئاسة اتحاد بلديات الجومة. يومها، كان «الاتفاق مع الشاعر ينصّ على أن يدعم أحد الأعضاء المُنتمين إلى التيار لرئاسة الاتحاد، ولكنّه قرّر دعم فادي بربر (رئيس بلدية رحبة ورئيس الاتحاد الحالي)، ما اعتبرناه نكثاً بالوعد»، تقول مصادر «التيار» في بينو. بعد هذه الحادثة، «دخلت العلاقة في مرحلة من عدم الاستقرار، ولكن بشكل عام سادت الخلافات بين الشاعر وأعضاء التيار السبعة، وتوقف عن التنسيق معنا»، إلى أن انقضت ثلاث سنوات من ولاية المجلس البلدي، «فقرّرنا طرح الثقة بالرئيس». وتقول مصادر التيار العوني إنّه انطلقت التدخلات والضغوط على الأعضاء لمنع تبديل الشاعر. الاتهامات العونية تطال بالدرجة الأولى «رئيس الاتحاد فادي بربر بدفع المال للأعضاء، وهو قال علناً في أكثر من مناسبة إنّه يتخذ موقفاً داعماً لفايز الشاعر، لأنّه وقف إلى جانبه في انتخابات اتحاد البلديات». إلا أنّ بربر ينفي ذلك، مؤكداً أنه «مش عاطيين فرنك لحدا».
أثناء حديثها عن شكل الضغوط، تذكر مصادر «التيار» في بينو أموراً جنائية، كـ«تهديدات بالقتل لأحد الأعضاء ولابنه، دفع رشى لأحد المستأجرين في مزرعة البقر التي استحدثها فايز الشاعر ووعود بإعفاء من ثمن الإيجار…». النتيجة كانت فرط المجلس البلدي، والاستعداد لإجراء انتخابات جديدة في أواخر تشرين الأول، «وسأترشح من جديد والضيعة كلّها متحدة ضدّ فريق النشاز»، يقول فايز الشاعر لـ«الأخبار».
سياق الكلام وسرد الأحداث، يوحي كأنّ أعضاء البلدية العونيين يُجرون عملية تصفية حسابات شخصية مع الشاعر، فهل كان هذا الدافع وراء تقديم الإخبار إلى النيابة العامة المالية؟ تنفي مصادر «التيار» ذلك، مؤكدة أنّ «الأداء السيّئ للشاعر هو السبب». ماذا تعني بالأداء السيّئ؟ «مثلاً في مشروع استكمال شبكة الصرف الصحي، صُرفت حصة البلدية من الاتحاد لعدد من المتعهدين تبيّن أنّهم يقبضون الأموال وفقاً لفواتير وهمية، وقُسّمت بينو إلى عدّة أقسام لإبقاء كلفة مدّ الشبكة تحت الـ20 مليون ليرة، فلا يُنظم استدراج عروض». حين انتشرت الخبرية في البلدة، «أخذ الشاعر من الاتحاد مبلغ 34 مليون ليرة، تحت عنوان فوارق اتحاد، وسلمها إلى مدير البلدية، رغم أنّه لا يحق له قبض الأموال مباشرة من اتحاد البلديات». إضافة إلى ذلك، «وجّه الشاعر إلى وزارة الطاقة طلباً بمساعدة مالية لاستكمال شبكة الصرف الصحي، لمشروع تأمّنت أمواله من الاتحاد». يتهم الأعضاء العونيون رئيسهم السابق بأنّه «يتصرف بأموال البلدية من دون الرجوع إلى المجلس البلدي، وفتح دفتراً للحسابات لا يُطلع عليه أمين الصندوق».
يتهم الأعضاء العونيون الرئيس بأنّه يتصرف بأموال البلدية من دون الرجوع إلى المجلس
من جهته، يقول فايز الشاعر إنّه أعدّ الملفات التي طلبتها النيابة العامة المالية، وإنّه يملك مستندات «تدحض كلّ واحد من الاتهامات التي يتضمنها الإخبار». يعتبر أنّ المشكلة في بينو ليست أكثر من «قوم لأقعد محلّك»، فأعضاء المجلس البلدي السبعة الذين ينتمون إلى التيار الوطني الحرّ «قدّموا، خلال السنوات الماضية، أداءً سيّئاً للغاية، مُريدين تحويل البلدية إلى مركز لخدمة التيار، في حين أنّنا نتعامل معها كبلدية لكلّ بينو». الاتهامات بدفع رشى، يردّها الشاعر إلى مُطلقيها، بأنّ «بعضهم عرض التفاوض المالي لحلّ الخلافات». أما الـ34 مليون ليرة لمشروع الصرف الصحي «فهي ثمن واحدة من المعدات الأربع للمشروع، وقد تسلم صاحبها المبلغ من البلدية ووقّع إيصالاً بذلك». التبرير الذي يُقدّمه الشاعر، وتأكيده أنّه يعمل لخدمة بلدته، لا يُلغيان أنّه قام بعمليات مالية من دون المرور بصندوق البلدية، ومخالفته نظام اتحاد البلديات الذي يموّل مشاريع البلديات ويمنع تسلمها مبالغ عينية، فالقانون لا يحمي «النوايا الطيبة». إذا كنتم تعترفون بأنّ الاتحاد موّل مشروع الصرف الصحي، فلماذا طلبتم مساعدة ثانية من وزارة الطاقة؟ جواب الشاعر أنّها «لتغطية أحياء غير مشمولة بالمساعدة المقدمة من الاتحاد». النيابة العامة المالية أعطت الشاعر مهلة أسبوعين لإعداد المستندات اللازمة للردّ على التُهم الموجهة إليه، على أن يُقدّمها في جلسة مُقبلة تُحدّد له. الأكيد أن المسار القضائي سيكون البند الأول في الحملات الانتخابية في البلدة.