ليس في العلن أي تلميح للرغبة في إنهاء النظام الديمقراطي البرلماني الذي نحن فيه نظرياً حسب الدستور. لا في خطاب القوى المحلية الكلاسيكية. ولا في خطاب الدول الاقليمية والدولية التي تلعب في لبنان وبه، وهي ترفع فوقه مظلّة للحد الأدنى من الاستقرار. لا عند التيارات والأحزاب الراديكالية التي تريد تغيير النظام، ولكن ليصبح ديمقراطياً برلمانياً بالفعل على أساس المواطنة. ولا حتى عند التيارات والأحزاب التي تتحدث عن مؤتمر تأسيسي لتجاوز نواقص اتفاق الطائف من دون التخلّي عن الديمقراطية البرلمانية. لكن أشياء كثيرة في الممارسة السياسية وغير السياسية توحي اننا عملياً في نظام آخر أو في لا نظام. ولا فرق، سواء كان الانفصام بين الدستور والممارسة من أمراض العمل حسب المصالح الضيّقة أو جزءاً من خطة بعيدة المدى ضمن أجندة ايديولوجية تدار بطموحات جيوسياسية اقليمية.
ذلك ان الفراغ يكتمل. فمنذ صارت الجمهورية بلا رئيس، ونحن نخفف من وقع المشكلة باستخدام تعبير الشغور الرئاسي على أساس ان مجلس الوزراء يمارس صلاحيات الرئيس وكالة. وبدل أن نسارع الى ملء الشغور، وجدنا أنفسنا مؤخراً في مواجهة تعطيل
مجلس الوزراء بعد تعطيل المجلس النيابي الممدد له، بحيث دخلنا في الفراغ الكامل. وآخر ما يفيدنا في تفسير ما يحدث، وسط أكبر المخاطر على مصير لبنان وأقسى سابقة في تجاهل هموم اللبنانيين، هو المنطق السياسي.
وليس أخطر من تعطيل المؤسسات سوى أن يصبح تعطيل اللعبة الديمقراطية جزءاً مقبولاً من الممارسة السياسية. فكل شيء ممكن في الديمقراطية، باستثناء تعطيل اللعبة الديمقراطية. وهذا ما نشهد ممارسته بحجة انها ممارسة لحق ديمقراطي، من دون ان نعترف بالخروج من النظام الديمقراطي أو عليه. فالانتخابات النيابية التي هي الآلية الدورية للعودة الى الشعب معطلة لأن المطلوب قانون انتخاب يضمن النتائج سلفاً كأننا في نظام شمولي. والتشريع معطل بحجة الشغور الرئاسي. والانتخابات الرئاسية معطلة بفقدان النصاب لأن الممتنعين عن حضور الجلسات التي أكملت الرقم ٢٤ يريدون ضمان النتيجة سلفا لمرشحهم. ومجلس الوزراء يواجه تعطيل النقاش والقرار في اي موضوع ولو كان مهماً او طارئاً أو ملحاً، ان لم يبت اولا المطلوب في التعيينات الامنية.
والصورة مخيفة، ان لم تحدث معجزة هي عادة تسوية: ازمات تتراكم فوق سطح ازمة بنيوية عميقة وسط تغيير الدول من حولنا. وانتقال من حال وزراء يشكلون حكومة الى حال حكومة معلقة فيها وزراء – رؤساء مستقلون يعمل كل منهم ما يريد او يستطيع في حقيبته.
ومرحبا ديمقراطية برلمانية.