Site icon IMLebanon

لبنان يدفع ثمناً باهظاً لتَعطيل اتِّفاق الطائف وعدمِ الإمتثال للقرارات الدَّوليَّة

 

بغرض الوصول إلى سلم دائم في فلسطين وعلى غرار ما حصل بين العدو الإسرائيلي والدول العربيَّة المحاذية لفلسطين أُقرَّ اتفاق هدنة ما بين لبنان والعدو الإسرائيلي في محلَّة الناقورة؛ جاء هذا الاتفاق كاستجابة لدعوة مجلس الأمن للطرفين بقراره الصادر بتاريخ 16/11/1948 إلى اتخاذ تدبير إضافي مؤقت لتسهل الانتقال من المهادنة إلى سلم دائم في فلسطين؛ ونكتفي بالإشارة إلى أهم المبادئ التي قامت عليها:

أ- احترام توصية مجلس الأمن الدولي القاضيةِ بعدم اللجوء إلى القوة العسكريَّة في تسوية القضيَّة الفلسطينية.

 

ب- التأكيد على المبادئ والغايات التاليَة: عدم كسب أية ميزة عسكريَّة أو سياسيَّة جرَّاء الهدنة، إقامة اتفاق الهدنة على اعتبارات عسكريَّة محضة.

ج- إقرار هدنة عامَّة بين القوات للفريقين.

د- اقتصار القوات العسكريَّة للفريقين على امتداد الجبهة على قوَّات دفاعيَّة فقط.

هـ- تبادل أسرى الحرب سواء كانوا تابعين للقوى النظاميَّة أو غير النظاميَّة تحت إشراف الأمم المُتحدة.

و- تشكيل لجنة هدنة (خمسة أعضاء) برئاسة رئيس أركان هيئة مراقبة الهدنة أو من يعيّنه لهذا الغرض من كبار ضباط هيئة المراقبين بالتشاور مع طرفي الاتفاق.

 

نجحت هذه الهِدنة إلى حد كبير في تحقيق الهدوء على امتداد الحدود الفاصلة ما بين لبنان والأراضي الفلسطينيَّة إلى أن تمَّ، وبضغط من جهات عربيَّة، توقيع اتفاق القاهرة والذي أجاز للمنظمات الفلسطينيَّة تنفيذ عمليات ضد المحتل الإسرائيلي انطلاقاً من الأراضي اللبنانيَّة، الأمر الذي جعل الحدود اللبنانيَّة – الفلسطينيَّة جبهة مَفتوحة، وعطَّل اتفاق الهدنة الذي كان من المفترض أن يبقى ساريًّا بإرادة الطَّرفين.

ومنذ توقيع اتفاق القاهرة وإلى يومنا هذا صدرت العديد من القرارات الدَّوليَّة في ما خص الصراع العربي – الإسرائيلي ولم تنجح في ضمان وقف إطلاق النار، ومن أهم تلك القرارات التي تعنى بالصراع اللبناني – الإسرائيلي القرارات التاليَة: 425، 426، 520، 1559، 1680 و1701، وكلَّما استجد حدث أمني على جبهتنا الجنوبيَّة يطفو إلى واجهة النقاش القرارات الثلاثة الأخيرة والتي صدرت بعد اتفاق الطائف الذي عرف بوثيقة الوفاق الوطني، الذي أضحى ملزماً بمجرد إقراره وتصديقه ونشره وفقاً للأصول ووضعه موضع التَّنفيذ عام 1990، وأمسى جزءاً لا يتجزَّأ من الدستور اللبناني.

 

وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق جاء برغبة عربيَّة جامعة وكلِّفَت لإنجازه لجنة ثلاثيَّة من كبار القادة العرب، إلَّا النِّظام السوري، مستفيداً من انتشار قواته العسكريَّة داخل الأراضي اللبنانية، أخذ على عاتقه الإشراف على تنفيذه، حيث عمل على تجريد معظم الأحزاب والميليشيات اللبنانية من أسلحتها مستثنياً حركة أمل وحزب لله بعلَّة أنهما يقاومان العدو الإسرائيلي الذي أقدم جيشه عام 1982 على اجتياح حيِّز كبير من الأراضي اللبنانيَّة وصولاً إلى العاصمة بيروت، وتمكَّن من طرد المقاتلين الفلسطينيين إلى تونس، وبدأ بانسحاب بطيء تحت تأثير أعمال المقاومة، ولكنه احتفظ بمنطقة عازلة على امتداد الحدود اللبنانية – الفلسطينيَّة، أوكل مهمة الدفاع عنها لما عُرف في ما بعد بجيش لحد، واستمرت أعمال المقاومة إلى أن نجحت المقاومة الإسلاميَّة في لبنان (حزب لله) من دفع العدو وميليشيا جيش لحد للإنسحاب إلى خلف الحدود اللبنانيَّة – الفلسطينيَّة عام 2000.

عمد النِّظام السوري إلى تنفيذ اتفاق الطَّائف بما يتناسب مع توجهاته ومصالحه، بحيث جاء تنفيذُه مُجتزءاً ومُحرَّفاً. الأمر الذي تسبَّبَ بانقساماتٍ سياسيَّةٍ حادَّة ما بين المكونات السياسيَّة اللبنانية المدعومة سوريًّا وباقي المكونات المعارضة للتَّدخُّل السوري في لبنان، ما أدّى إلى تعطيل المؤسَّسات الدستوريَّة وتعطيل الانتخاباتِ الرئاسيَّة، الأمر الذي دفع بمجلس الأمن بناء لدعوة من كل من فرنسا وأميركا وبريطانيا لعقد جلسة بتاريخ ٢/٩/٢٠٠٤ خُصِّصت للتباحث في وضع لبنان انتهت بإصدار القرار 1559، وكان الغرض منه الحِفاظ على سيادة وسلامة لبنان، وتجنيبه تبعات انعكاسات الصِّراع العَربي – الإسرائيلي، كما العمل على إعادة بناء الدَّولة، وتمكينها من فرض سلطتها على كامل إقليمها وحصر السِّلاح بالقوى النِّظامية الرَّسميَّة، ويستشفّ ذلك من بنوده التي تمحورت حول ضمان الاحترام التام لسيادة لبنان، وسلامته ووحدة اراضيه واستقلاله السياسي تحت سلطة الدولة اللبنانية حصراً، ومطالبة القوات الأجنبيَّة المتبقيَّة على أرضه بالانسحاب من لبنان، وحلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، والتأكيد على بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع أراضيه، والدعوة لعملية لإجراء انتخابات رئاسة الجمهوريَّة، ومطالبة مختلف الأطراف على التعاون لتنفيذ هذا القرار وباقي القرارات ذات الصِّلة.

 

وبعد مرور ما يزيد عن سبع سنوات دون تنفيذ بنود اتفاق الطَّائف، وسنتين على صدور القرار رقم 1559، وتفاقم الأوضاع الداخليَّة اللبنانيَّة على ضوء اغتيال رئيس وزراء لبنان السَّابق رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري عام 2005 واستمرار تعطيل المؤسسات الدستوريَّة وارتكاب موجة من الاغتيالات السياسيَّة، اجتمع مجلس الأمن هذه المرَّة بناء لطلب من أميركا وفرنسا وأصدر بتاريخ ١٧ أيار 2٠٠٦ القرار ١٦٨٠، حضَّ فيه المجلس على تطبيق كامل للقرار ١٥٥٩، ودعا الدول للتَّعاون مع الحكومة اللبنانيَّة، وشجَّع الحكومة السوريَّة على التَّجاوب مع مطلب الحكومة اللبنانية الداعي لتحديد الحدود ما بين لبنان وسوريا، وإقامة علاقات دبلوماسيَّة كاملة، كما أثنى على جهود الدولة اللبنانيَّة لمكافحتها تهريب الأسلحة للداخل اللبناني، مثنيّا على وثيقة الحوار الوطني القاضيَة بنزع سلاح الميليشيات الفلسطينيَّة خارج المُخيمات، وحلّ الميليشيات اللبنانية، وغير اللبنانية وبسط سلطة الدولة.

للأسف لم يُصر إلى احترام هذا القرار كما القرارات التي صدرت قبله، وبدت الدولة اللبنانيَّة عاجزة عن تنفيذه، كما عن حصر صلاحيَة تقرير الحرب السلم بسلطاتها الرسميَّة، وكانت إحدى المفاجآت بإقدام قوة من حزب لله بتاريخ 12 تموز على خطف جنديين إسرائيليين من دون إبلاغ الجهات الرسميَّة مسبقاً، الأمر الذي تسبَّب بما عرف بحرب تموز 2006، والتي نجح قرار مجلس الأمن رقم 1701 تاريخ 11/8/2006 بوضع نهاية لها بتاريخ 14 من الشهر ذاته 2006.

تضمن القرار المنوّه عنه إشارة واضحةً لأهمية احترام قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بما فيها 425، 426، 1559 و1680، كما للإعلانات الرئاسيَّة الصَّادرةِ عن المجلس، كما الإعراب عن القلق لاستمرار تصعيد العمليات الحربية منذ هجوم حزب لله بتاريخ 12 تموز 2006،  والتي تسبب في حرب سقط بمعرضها مئات القتلى والجرحى، وتسبَّبت بأضرارٍ كبيرة في البُنى التحتيَّة ومئات آلاف النازحين.

قضى القرار 1701 بوقفٍ كاملٍ للأعمال الحربيَّة، والإفراج عن الجنديين الإسرائيليين المُختطفين، وتسويةِ مسألةِ المُعتقلين اللبنانيين لدى إسرائيل، وبنشر القوات الرسميَّة للحكومة اللبنانية وقوات الطوارئ «اليونيفيل» على امتداد الحدود اللبنانيَّة – الفلسطينيَّة، وذلك بالتزامن مع سحب القوات الإسرائيليَّة من الجنوب اللبناني؛ كما أكَّد على ضرورة بسط الدولة اللبنانيَّة لسلطتها على كامل الأراضي اللبنانيَّة والإلتزام بتطبيق بنود القرارين ١٥٥٩ و١٦٨٠، والإحترام الصارم لبنود اتفاق الطائف ذات الصِّلَة. كما تضمن دعوة لجميع الأطراف للسَّهر على احترام وقف الأعمال الحربيَّة، واتِّخاذِ إجراءاتٍ أمنيَّةٍ لمنع استئنافها بإقامة منطقة عازلة خالية من المسلحين والأسلحة ما بين الخط الأزرق ومجرى نهر الليطاني، كذلك تضمَّن تأكيداً على سلامة الأراضي اللبنانية وسيادة لبنان واستقلاله السياسي على كامل أراضيه وفق الحدود التي نصَّت عليها اتفاقية الهدنة 23/3/1949.

وتضمَّن القرار المنوّه عنه دعوةً للدَّولة اللبنانية لضَمان أمن حدودِها ومنافِذِ العُبورِ الرسميَّة ونُقاطِ الدُّخولِ الأخرى، بغرض منع دخول أسلحة غير مشروعة؛ كما أوجب على الدُّول اتِّخاذ كل الاجراءات اللازمة لمنع مواطنيها من نقل أو تسليم أو بيع الأسلحة لأي جهة غير رسمية في لبنان.

للأسف لم يلتزم طرفا الصراع بتنفيذ بنود القرار 1701 كاملَة، بحيث أن الكيان الإسرائيلي لم ينسحب من شمال بلدَةِ الغَجر وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا، بل كثَّف من انتهاكاته الجويَّة للأجواء اللبنانيَّة، في المقابل لم تنجح السلطة اللبنانية في منع حزب لله عن نشر عناصره جنوب مجرى نهر الليطاني ولم يقدم الأخير على تسليم أسلحته للدولة اللبنانيَّة، بل عمل على تعزيز قُدراتِهِ العسكريَّةِ والصَّاروخيَّة منها على وجه التَّحديد.

وكانت المفاجأة الكبرى بإعلان حزب لله صبيحة اليوم التالي لطوفان الأقصى عن فتح جبهة الجنوب إسناداً لحماس، معلناً استمرار العمليات العسكريَّة لحين وقف الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزَّة، الأمر الذي دفع بالعدو الإسرائيلي إلى تصعيد الأعمال العسكريَّة على نحوٍ مُتدرّجٍ مستهدفاً مقاتلين وقادة ميدانيين منتسبين للحزب؛ وقبل مرور سنة على طوفان الأقصى حوَّل جُهده العسكري إلى الجبهة مع لبنان معلناً عن فتح الحرب على حزب لله، وبدأ بحملة من الاستهدافاتٍ المركّزةٍ طالت عدداً كبيراً من عناصر وقيادات الحزب وتدمير العديد من مخازن الأسلحة ومنصات إطلاق الصَّواريخ، كما استهدف أحياء مأهولة على امتداد الأراضي اللبنانيَّة، والتي تسببت بهدم آلاف المنازل ومئات المنشآت الاقتصاديَّة ولم تنتهِ فصولها بعد. وإيران التي تسعى جاهدة لتلافي جرِّها إلى الحرب، تكتفي بإعلان دعمها للحزب، وبردّين متواضعين على التَّحرُّشات الإسرائيليَّة المُستفزة لها.

وعلى الرَّغم من أن المُتضرِّر الأكبر من هذه الحرب هو لبنان، إلَّا أنه يبدو أن سُّلطاته الرسميَّة لا تملك زمام الأمور لجهة تقرير وقف إطلاق النار، وأن كلمة الفصل بهذا الخصوص يمسك بها حزب لله، والذي يبدو أن قراره مَحكومٌ بما تقرِّره المرجعيَّةُ في إيران.

نخلص مما عَرضناه للقول بأن لبنان يدفع أثماناً باهظة لقصورِ سلطاته الرسميَّة عن تنفيذ القرارات الدَّوليَّة، وأن خلاصه يكمنُ في إعادة إحياء اتفاق الهُدنة برعايةٍ دوليَّةٍ فاعلة، وعلى مختلف المكونات السِّياسيَّة في لبنان أن تعي أهميَّة هذا الخيار بالنِّسبة للبنان، وبموازاة ذلك عليهم أن يعوا أهميَّة الإلتزام بروحِيَّةِ اتِّفاق الطائف باعتباره الإطار الأمثل للنُّهوض بلبنان من تعثُّراته.